منتصف يوليو من هذا العام أكملت إيران عاماً كاملاً من «الاتفاق النووي» الذي أبرمته مع الغرب، وما اعتبرته الولايات المتحدة وكثير من الغربيين أنها مفصل تاريخي يستحق الاحتفال به يقف اليوم وبعد عام كامل بدون تلك المبررات التي ساقتها القوى الدولية الداعمة للاتفاق النووي مع إيران، بل حتى الشعب الإيراني الذي خرج محتفلاً بتوقيع الاتفاقية يبدو اليوم هو أكثر إحباطاً من الغربيين الذين دفعوا العالم ليصفقوا طويلاً على ما كان يتوقع أنه سيكون مدخلاً لإيران لتنسجم مع محيطها الإقليمي وتكون شريكاً دولياً في ترسيخ الأمن والدفع بالتنمية والاستقرار. كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكثر الشخصيات يقيناً بأن «الاتفاق النووي» سيؤدي إلى نتائج إيجابية، دافع أوباما أمام الكونجرس ومجلس الشيوخ وقاد حملة واسعة في سبيل أن يحظى الاتفاق مع إيران على دعم دولي، ولكن ماذا تغير من سلوك إيران بعد كل هذا الجهد المضني الذي أشغل الولاية الرئاسية الثانية لأوباما؟، فخيبة الأمل تبدو أكثر حضوراً، فلا تزال القيادة الإيرانية بيد المتشددين والمناهضين لإحداث تغييرات في النظام الإيراني، لذلك فلقد بقيت إيران في موقفها المعادي للغرب وحلفائه في المنطقة. يعتبر انتخاب آية الله أحمد جنتي واحداً من المؤشرات القوية في عدم حصول التغييرات في النظام الإيراني فـ «جنتي» الذي انتخب رئيساً لمجلس الخبراء هو الأكثر تشدداً من بين الشخصيات المرشحة للمنصب، كما أنه لا يمكن القول إن إيران خففت من سلوكها إقليمياً، فما زال الآلاف من الحرس الثوري يقاتلون إلى جانب قوات بشار الأسد في سوريا، كما أن المليشيات التي تم تدريبها في طهران ما زالت تمارس البطش والقتل بالعراقيين، وبلغ أقصى هذه المؤشرات بتهديد قائد فيلق القدس قاسم سليماني البحرين بانتفاضة دامية، كما أن التجارب للصواريخ البالستية شكلت خرقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وهنا لا يمكننا تجاهل تصريح جون برينان مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي قال إنه يشعر بقلق كبير إزاء دعم طهران للجماعات الإرهابية وخاصة فيلق القدس. وعلى الرغم من أن «الاتفاق النووي» كان بالنسبة للإيرانيين فرصة للخروج من قيود العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ 1996م، فالمفاجأة القاسية كانت في أنه على الرغم من تهافت دول كبريطانيا وفرنسا والمانيا لتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية فإن الشركات في هذه الدول وضعت في اعتبارها نسبة المخاطر العالية نتيجة عدم تحسن الوضع السياسي، وهذا مما قلص كثيراً من استفادة إيران من كل تلك الاتفاقيات وعزز ذلك تأكيد وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو الذي قال إن النظام المالي الأمريكي ليس منفتحاً على إيران، وهذا الموقف الصلب لن يتغير. سيكون من الطبيعي أن تتجه الأوضاع مع عدم الالتزام الإيراني ببنود «الاتفاق النووي» لتشكيل ضغوطات دولية قد تدفع إلى تجديد قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالعقوبات على النظام الإيراني والذي كان قد صدر في العام 1996م لرعايتها الإرهاب وتطوير الصواريخ البالستية، كما يمكن أن تشكل هذه الخروقات الأخيرة إلى إصدار قرارات دولية جديدة خاصة بعد أن تأكد المجتمع الدولي من أنه لا يوجد بوادر ملموسة نحو تغيير ممكن في السلوك الإيراني. المحصلة من العام الأول لإبرام «الاتفاق النووي» بالفعل غير جيدة فما زالت إيران تدعم الفوضى في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتصر على التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما أن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران يضيف إلى الحصيلة السنوية الأولى مزيداً من العدوانية المفرطة تجاه الجوار العربي، وعلى ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون أكثر المهتمين خاصة بعد انتهاء ولاية باراك أوباما بمراجعة كاملة للاتفاقيات مع إيران وعلى رأسها «الاتفاق النووي» الذي أكد للعالم أن إيران ما زالت تكرس مواردها كلها من أجل مشروعها التوسعي عبر تصدير الثورة الخمينية، وأن إيران الدولة ليست موجودة حتى بعد عام أول من توقيع «الاتفاق النووي».