الدوحة - الراية: حذر فضيلة الدكتور الشيخ ثقيل بن ساير الشمري من الاستهزاء بوصفه من أبرز صفات المنافقين وأن الاستهزاء يوصل صاحبه إلى الكفر البواح، في حالة ما إذا وصل إلى الاستهزاء بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بالمؤمنين. وأشار الشمري في خطبته التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى أن المؤمن الذي يمتلئ قلبه إيماناً ومحبة لله ولرسوله هو الذي يعظم دين الله عز وجل، لأن الدين هو تعظيم الله وكتابه ورسوله، وبما جاء به وثبت عنه عليه الصلاة والسلام، فالسخرية بالناس هي من صفات المنافقين، وسفلة الناس. وأضاف: إن الإنسان الكريم في طبعه وأخلاقه لا يحتقر الناس ولا يستهزئ بهم، وإن الإنسان عندما يتكلم بكلام فيه سخرية من الناس، فقد يخرجه ذلك من الملة، خصوصاً إذا كان الاستهزاء بالله أو بكتابه أو بنبيه، أو بالمؤمنين، أو بما يتمسكون به من دين وشريعة، فذلك كله استهزاء بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. مستشهداً بآيات كثيرة من القرآن، كقوله تعالى في وصف المنافقين: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون...) وقوله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً). وأكد فضيلته أن الاستهزاء بالدين والشريعة كفر بواح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل ليقول الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم)، وقال لمعاذ بن جبل: (أمسك عليك هذا - وأشار إلى لسانه - قال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم - أو قال على وجوههم - في النار إلا حصائد ألسنتهم). مضيفاً: المنافقون في كل زمان يحاولون أن يضربوا رموز الأمة، سواء كانت هذه الرموز عقائد، أو كانت أشخاصاً يحملون هذه العقائد وهذه السنة. واستشهد بما حدث في غزوة تبوك، حيث خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من المنافقين، لم يكن همهم ولا وظيفتهم ولا عملهم إلا التثبيط والفتّ في عضد المؤمنين، فاستهزأوا بالله وبكتابه ورسوله، وبأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين هم حملة كتاب الله، وأحق الناس بعد أنبياء الله بالتبجيل والتوقير والاحترام، لأنهم يحملون أشرف كتاب وأشرف كلام، قالوا - أي المنافقون -: ما رأينا مثل قرائنا أرغب بطوناً وأكذب ألسناً وأجبن عند اللقاء. وأضاف: "كان ذلك ما قاله المنافق لصاحب رسول الله عوف بن مالك رضي الله عنه، فقال له عوف بن مالك كذبت، إنك رجل منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت، قال عوف: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخبره أمر هذا المنافق فوجدت القرآن قد سبقني، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) فجاء ذلك المنافق لما علم بالأمر فتعلق بحطب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بعلاقة سيفه يقول يا رسول الله: "إنما كنا نخوض ونلعب" نقطع الطريق، نتسلى نستعين بالكلام على مشقة الطريق، والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)، هذا أمر عظيم، فالاستهزاء بالله وكتابه ورسوله وبالمؤمنين من أخطر الذنوب. كما ساق فضيلته قصة ذلك المنافق الآخر عندما شاع أمر المنافقين وأصبح الوحي ينزل يفضح أمرهم، فقال ذلك المنافق: لئن كان ما يقوله محمد عن ساداتنا - يقصد من المنافقين - حقاً، فنحن أشر من حمرنا التي نركبها "فقال ذلك الصحابي نعم، إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقاً وأنت شر من الحمار، يقول الصحابي: خشيت أن ينزل علي أمر من السماء أو أقع في مصيبة لشناعة قول هذا المنافق، أو ينزل في وحي، قال فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر، فجيء بالمنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما قال. وأكد الشمري أنه كان من عادة المنافقين أنهم يحلفون الأيمان أنهم ما قالوا وما فعلوا، فأنكر المنافق ما قاله وبدأ يكذب الصحابي، ففضح الله أمر المنافقين وأنزل الوحي يصدّق الصحابي ويكذب المنافق، نزلت آيات كثيرة تفضح المنافقين في سورة التوبة التي من أسمائها: "الفاضحة" يقول ربنا جل في علاه فاضحاً المنافقين (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم)، هكذا فضح الله أمر المنافقين، لأنهم يستهزئون بالله وبرسوله، وبكتابه وبالمؤمنين، فهذه هي طريق المنافقين وديدنهم في كل زمان ومكان، لذا أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالمؤمنين حرام، أما إذا كان الاستهزاء بالسنة أو بالحكم الشرعي فإن ذلك كفر بواح. السخرية من سنن النبي وأشار خطيب الجمعة إلى أن المنافقين اليوم يسخرون من لباس المرأة المؤمنة، من حشمتها وسترها وحجابها، ويسخرون من اللحية ومن السواك، وبالملابس التي يلتزم بها الملتزمون بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكل من يفعل ذلك فهو مستهزئ بالمؤمنين وبسنة سيد المرسلين، وهو كافر، والله سبحانه وتعالى هو من حكم عليه بالكفر، (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم). وأوضح فضيلته أن الاستهزاء قد يكون بالشخص نفسه وليس بما هو عليه من التزام بسنة، وأقل أحوال من يفعل ذلك هو الفسق، لأنه من التنابز بالألقاب والسخرية، أما إذا تحولت السخرية إلى السخرية من الدين وتعاليمه، فذلك كفر فالذين يستهزئون بهذه السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمسميات مختلفة، سواء أكان ذلك بمقالة في الإعلام، أو رواية، أو قصة، أو مسرحية، باسم الفن باسم الأدب، كل ذلك أمر منكر وينبغي أن ينكر. المنافقون يستخدمون الاعلام والفن للاستهزاء بالرموز وقال فضيلة الشيخ ثقيل: "ينبغي أن نعلم أن أصحاب الباطل يحاولون أن يضربوا باستهزائهم رموز الأمة، من العلماء، من الدعاة إلى الله المخلصين، من الملتزمين بالشريعة الذين يظهرون دينهم ويعتزون به، فهذا دين المنافقين في عهده صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم، لكن عندهم اليوم من الوسائل، كالإعلام والمسرح والفن، وغيره من الأمور التي يستخدمها المنافقون للاستهزاء برموز الأمة، لكنهم لن ينالوا من الحق بإذن الله، لأنهم على باطل، ومتى تمسك أهل الحق بحقهم، فسيهزم أهل الباطل بإذن الله. وحذّر فضيلته في نهاية خطبته من اتكاء المستهزئين الساخرين من الحق على أن بعض المسائل فيها خلاف بين العلماء، وهذا احتجاج في غير موضعه، واستناد إلى غير صواب، لأن الخلاف في بعض المسائل هو خلاف في مقدارها وكيفيتها، وما ينبغي أن يكون من حيث جزئياتها، أما أصلها فثابت في الدين وشرع وتشريع من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستهزاء منها بهذه الطريقة هو استهزاء بالله ورسوله وكتابه، وكما أسلفنا يعد ذلك كفراً بواحاً، ومن هذه الأمور التي يستهزئون بها، اللغة العربية التي يصوّرون من يتكلم بها على أنه خارج إطار المجتمع أو خارج إطار الواقع، فالناس يتكلمون بلغة وهو يتلكم بلغة، ويستهزئون بلغته، وما يعلمون أن هذه اللغة هي لغة القرآن التي نتعبّد بها، فهذه اللغة هي رمز على هوية الأمة الإسلامية، كل أمة القرآن، وهذا يدعونا إلى التمسّك بلغة القرآن وعدم الانسلاخ من هويتنا لمجرد استهزاء منافق، فكثير ممن يسخر منها لا يعرفون حقيقتها، بل إن كثيراً منهم دخلاء عليها، إذاً علينا أن نفهم أن ضرب رموز الأمة في عقيدتها وفي أشخاصها، ولغتها هو ضرب لهويتها، لكن من يقوم بذلك سيفشلون بمشيئة الله. وأكد أن من يقدّر العلماء وحملة القرآن من رجال الحكم وولاة الأمر هم المحبوبون عند شعوبهم، وأما الذين يستهزئون بهم أو ينكلون بهم فهم مبغوضون عند شعوبهم وعند الأمة، من هنا علينا أن ننكر أعمال المبطلين، وألا نسكت عن أقوال وأفعال هؤلاء المستهزئين، وعلينا أن نقول في وجوههم: نعم لكتاب الله، نعم لسنة رسول الله، نعم للعلماء، نعم لحملة الدين، وللمتمسكين بتعاليمه السمحة، وتباً للمستهزئين بها.