حين يحاول أحدنا تعلم لغة جديدة يعتقد أنه يتعلم مهارة واحدة فقط.. ولكن الحقيقة هي أنه يتعلم ست مهارات تتراكب فوق بعضها البعض بطريقة رأسية: المهارة الأولى: الاستماع. والثانية: الحديث. والثالثة: النطق بذات اللهجة والأسلوب. والرابعة: القدرة على القراءة وفهم المكتوب. والخامسة: القدرة على الكتابة. والسادسة: القدرة على التعبير والكتابة بطريقة راقية. ... وهذا الترتيب تعلمته شخصياً من محاولاتي المتواضعة في تعلم اللغات الأجنبية.. وهو بالتأكيد ليس ترتيباً عشوائياً؛ بل ترتيب تصاعدي يبدأ بالاستماع والحديث، ولا يصل بالضرورة لمرحلة التعبير والكتابة الراقية.. وهذه المراحل في تعلم أي لغة أجنبية يشبة تعلم الطفل للغة والديه الأساسية... فالطفل يبدأ أولا بالاستماع وفهم الحديث الموجه إليه، ولكن دون القدرة على الرد أو مبادلة الكلام.. وبالتدريج يبدأ بمحاكاة الناس ومحاولة الكلام بجمل ركيكة وكلمات غير مترابطة... وأثناء تعلمه "الحديث" يتعلم أيضا طريقة النطق بذات اللهجة والأسلوب (المرحلة الثالثة)! ... وقد يتوقف عند هذه المرحلة فينشأ أمياً لا يجيد القراءة (المرحلة الرابعة) ولا الكتابة (المرحلة الخامسة) وقد يموت على ذلك... غير أن معظم الأطفال يدخلون هذه الأيام المدارس فيتعلمون القراءة (والتي من خلالها) يتعلمون الكتابة ورسم الحروف... ورغم هذا قلة من الطلاب ينجح في الوصول للمرحلة السادسة "القدرة على التعبير والكتابة الراقية" بل قد يتخرج الطالب من الجامعة دون التخلص من مشكلة الأخطاء النحوية والإملائية أو القدرة على التعبير والتأليف بشكل سليم... وما دفعني اليوم لكتابة هذا المقال هو سؤال تكرر عليّ في أكثر من مناسبة خصوصاً من طلابنا المبتعثين مفاده "كيف أتعلم اللغة بشكل سليم"؟ الجواب هو أن تتخيل نفسك دائماً طفلاً صغيراً يمر بهذه المراحل الست.. يجب أن تبدأ بالاستماع (بشكل مكثف) لكلام الناس والأفلام ونشرات الأخبار ومحطات الراديو لتبدأ "الحديث" بطريقة مبسطة ومجزَّأة.. ولأنك في الواقع لست طفلاً (يملك عمراً طويلاً لإجادة اللغة) يجب أن تكثف محاولاتك، وترفع نسبة تنبهك لطبيعة اللهجة وطريقة الكلام لتصل لمرحلة نطق الجمل الطويلة والأحاديث الجميلة بشكل سلس ومتواصل... وبالطبع يمكنك التوقف عند هذه المرحلة إن أرت البقاء رجلاً أمياً عاجزاً عن القراءة والكتابة.. ولكن إن أردت الارتفاع للمرحلة الرابعة والخامسة فيجب (على نفس السياق) أن تقرأ كثيراً كي تكتب بطريقة سليمة ومماثلة لما تقرؤه في الكُتب.. يجب أن تقرأ وتقرأ وتقرأ حتى يتشبع عقلك الباطن ويميز الصحيح من الخطأ بطريقة لا واعية لدرجة تشعر بالفرق دون المرور بقواعد اللغة المعقدة!! ... أما المرحلة السادسة "القدرة على التعبير والكتابة الراقية" فهي مزيج من الموهبة والقراءة المكثفة ولا يصل إليها جميع الناس .. فهي مرحلة إضافية ونخبوية حيث تمتزج موهبة التعبير مع القراءة التحليلية ومحاكاة أعلام الرواية والأدب ثم محاولة التفوق عليهم.. هذه المرحلة بالذات لا تحتاج لنصائح رجل مثلي كونها تظهر من خلال أشخاص يدركون طبيعة مواهبهم، ويملكون دوافع عميقة لمحاكاة الأدباء المعروفين والانضمام لنخبة المؤلفين والمفكرين الكبار... باختصار. مجرد تنبهك لهذه المراحل الست يفيدك كثيراً في تعلم أي لغة تشاء.. ومن الخطأ تقديم مرحلة على أخرى..