مع أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قد تراجع عن تصريحاته السابقة «الملتبسة»، وقال في تصريحات لاحقة إنه لن يكون هناك حلٌّ، ولن يزول خطر التنظيمات الإرهابية ما دام بشار الأسد باقيًا في السلطة، وإنه إنْ لم يتغير، أي الرئيس السوري، فإنه لن يتغير شيء في تركيا تجاه سوريا ولن تتم المصالحة معه، ثم في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أضاف: لا يمكننا الاختيار بين هذا الرئيس و«داعش».. يجب أن يرحل كلاهما.. فإنه لا يمكن إلاّ الأخذ بعين الاعتبار أنَّ معادلة «أن الأولوية هي للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي وليست لإزاحة بشار الأسد كرئيس لسوريا»، التي هي صناعة روسية من ألفها إلى يائها مع تبنيها من قبل إيران، قد حققت نجاحًا كبيرًا تمثل في تمديد بقاء هذا النظام العائلي - الطائفي الاستبدادي نحو ثلاثة أعوام وأكثر، وتمثل أيضًا في مزيد من الميوعة والتراخي في الموقف الأميركي، موقف الإدارة الأميركية، من هذه الأزمة التي غدت أكثر تعقيدًا ومستعصية، كما تمثل وبتراجع متفاوت في مواقف الدول الأوروبية الأساسية. والمستغرب فعلاً أنَّ الذين طرحوا هذه المعادلة «الأولوية ليست لإسقاط نظام بشار الأسد وإنما للقضاء على (داعش)» وتمسكوا بها، لم يفعلوا شيئًا لتنفيذ ما طرحوه ولو في الحدود الدنيا، ولو من قبيل «الضحك على الذقون»، بل إنهم، أي الروس والإيرانيين وبالطبع معهم هذا النظام السوري، قد صبوا جام غضبهم على المعارضة السورية (المعتدلة) وتركوا هذا التنظيم الإرهابي يسرح ويمرح ويتاجر بالبترول، كما يحلو له، ويرتكب كل الجرائم التي ارتكبها، ويقيم كيانًا في الأراضي السورية والعراقية وبمساحة كثير من بعض الدول العربية الصغيرة وأكثر. لقد تُرِك هذا التنظيم من دون أي مواجهة فعلية، اللهم باستثناء ما فعلته المعارضة السورية (المعتدلة)، على قلة إمكاناتها وشحِّ تسليحها، وبعض عمليات القصف الجوي التي نفذها سلاح الجو الأردني والأسلحة الجوية لبعض الدول العربية التي انضوت في التحالف الدولي للقضاء على «داعش»، وهذا قد مكنه من تثبيت أقدامه في كل المناطق التي يحتلها، وجعله قوة عسكرية فاعلة، ويمتلك جيشًا قال الأميركيون إن القضاء عليه يحتاج إلى مدة زمنية قد تصل إلى خمسة عشر عامًا.. وأكثر!! والملاحظ، بل المستغرب أنَّ الأميركيين قد تحولوا عن مواقف سابقة كانوا قد اتخذوها منذ بدايات انفجار الأزمة السورية، وفي مقدمتها وأهمها أنه لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سوريا، وأن الأولوية هي لرحيله قبل أي شيء آخر، وأصبحوا أكثر ميلاً للمعادلة الروسية آنفة الذكر التي تعتبر أن هذه الأولوية هي للقضاء على «داعش»، والدليل هو أن الإدارة الأميركية بقيت «مكانك رواح»، بل إنها واصلت تراجعها عن مواقفها السابقة وخطوة بعد خطوة، وإلى أن أصبحت تلهث راكضة وراء مستجدات المفاجآت التي دأب فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف على اتخاذها، وأخطرها الغزو العسكري الاحتلالي للدولة السورية في سبتمبر (أيلول) عام 2015، الذي يبدو أنه سيتحول مع الوقت إلى حالة أبدية وسرمدية. والمشكلة أنَّ الولايات المتحدة كانت ولا تزال تعرف، ومعها كل الدول الأوروبية المعنية وأيضًا تركيا وكثير من الدول العربية، أن هذا الـ«داعش» قد أصبح بكل هذه القوة كصناعة روسية، في حين أنه وُلِدَ في الحاضنة الإيرانية - السورية، وأنَّ كل العمليات الإرهابية المدوية التي نفذها خلال الأعوام الثلاثة الماضية داخل الأراضي السورية وخارجها بما فيها عمليات بروكسل وباريس، كانت بتوجيه من هذين النظامين المتحالفين؛ النظام السوري والنظام الإيراني، وربما.. ربما بعلم موسكو التي من المفترض أنه معروف ومؤكد أنه «لو أن بغلة عثرت في نبيط سوريا.. والعراق» لكان الرئيس فلايمير مسؤولاً عنها. وبصراحة.. بل بكل صراحة، وهذا ستثبته الأيام القريبة وليست البعيدة المقبلة، أنَّ عمليات بروكسل الإرهابية وعمليات باريس وأيضًا عملية مطار مصطفى كمال «أتاتورك» الأخيرة، كان هدفها إجبار البلجيك والفرنسيين والأتراك.. وغيرهم على الاقتناع بمعادلة أن «الأولوية في هذا الصراع المحتدم في سوريا منذ أكثر من خمسة أعوام ليست لإزاحة بشار الأسد عن موقعه، وإنما للقضاء على (داعش)»، ويبدو أن ما جرى في تركيا أخيرًا قد جاء على هذه الخلفية، وبسبب الاهتزازات المفاجئة التي حصلت في سياسات الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية، وخصوصًا المستجدات «الدراماتيكية» في العلاقات التركية - الروسية. وهكذا فإن ميوعة المواقف، وخصوصًا الموقف الأميركي، تجاه الأزمة السورية الذي قابله موقف روسي اتسم بالحسم والحزم والإصرار على «لعبة» أنَّ الأولوية هي للقضاء على «داعش»، وأن بشار الأسد سيبقى رئيسًا للأبد، هو ما عرَّض هذه المنطقة لكل هذه الاهتزازات العنيفة، وهو ما أوصل تركيا العضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي إلى ما وصلت إليه، ولذلك فإن بقاء روسيا متفوقة في هذه المنطقة كل هذا التفوق، وبقاء الأميركيين يلهثون خلفها كل هذا اللهاث المعيب، سوف يفرز معادلة أن «الأولوية للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي»، ولكن دون القضاء عليه، ومع بقاء رئيس هذا النظام ربما إلى أن يأتي الله بما لا تعلمون. إنَّ مسؤولية كل هذه المستجدات الخطيرة التي غدت تشهدها هذه المنطقة تقع على عاتق إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي ترك الحبل على الغارب للروس، والذي تخلى عن «أصدقائه» فخسرهم، وتبع من هم من المفترض أنهم أعداؤه فلم يدركهم، وكانت النتيجة هذا الزلزال الذي ضرب تركيا، وكل هذه الزلازل التي غدت تقف على أبوابه كثير من دول الشرق الأوسط، وكل هذا الإرهاب الذي بات يخبط خبط عشواء، الذي أوصله منْ احتضنوه ورعوه على مدى كل هذه السنوات العجاف حتى إلى الغرب الأوروبي وإلى الولايات المتحدة الأميركية. وهنا فإن السؤال الذي من المفترض أن جوابه معروفٌ وجاهزٌ هو: من المستفيد يا ترى من هذا الانقلاب المفاجئ الفاشل، الذي ضرب تركيا في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، وبينما عاد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم ليؤكد أنه لن يزول خطر التنظيمات الإرهابية ما دام بشار الأسد باقيًا في السلطة، وما دام أنه لم يتغير «.. إنه لا يمكننا الاختيار بين هذا الرئيس السوري و(داعش) ويجب أن يرحل كلاهما»؟! ثم ولوضع الإصبع على الحقيقة التي لا غيرها حقيقة، فإنه لا بد من طرح السؤال التقليدي المعهود القائل: قُلْ لي من المستفيد أقل لك من الفاعل؟ والجواب وبلا أي تردد: إنَّ المستفيد من هذا الانقلاب العسكري لو أنه نجح هو التحالف الروسي - الإيراني مع نظام بشار الأسد، الذي كان يجب أن يرحل باكرًا، ولكانت سوريا تقف الآن على شاطئ الأمان وعلى بداية طريق واعد.