شرعت وزارة المعادن السودانية في تنفيذ برنامج لرفع إنتاجية البلاد من الذهب إلى مائة طن لتصبح الدولة الثانية إنتاجا على مستوى أفريقيا، وذلك بعد أن ارتفعت إنتاجية الشركات والمعدنيين التقليديين إلى 45 طنا خلال الستة أشهر الماضية وبلغت عائداتها نحو ملياري دولار. وأوضح الدكتور أحمد الكاروري وزير المعادن لـ«الشرق الأوسط» أن قطاع التعدين الأهلي المنتشر في 12 ولاية بالبلاد احتل المرتبة الأولى في الإنتاج بواقع 38 طنا، مما جعل الوزارة تعول عليه في خطتها للستة أشهر المقبلة لرفع إنتاجية السودان إلى مائة طن، التي تنفذ بالتعاون مع البنك المركزي، الذي شرع في إنشاء وتأسيس مواقع لشراء الذهب من المعدنيين التقليدين في أماكن عملهم، مما سيضع حدا للفجوة الكبيرة الحاصلة حاليا بين الإنتاج والتصدير والشراء عبر القنوات الرسمية. وكشف الوزير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن أن هناك إجراءات ستتخذها الوزارة لتحقيق خطتها لرفع إنتاجها من الذهب حتى نهاية العام الحالي، أبرزها إقناع المعدنيين التقليديين في ولايات البلاد الذين يشكلون أكثر من 80 في المائة من الإنتاج بأن الآلية الجديدة لفتح منافذ شراء للذهب في مواقع عملهم ستوفر لهم الأسعار التي يرغبون في البيع بها والتي كانوا في السابق يحصلون عليها من بعض التجار ومهربى الذهب والمضاربين، وأن التعامل مع هذه الآلية التي دشن فيها بنك السودان المركزي منافذ ميدانية للشراء سيكفيهم شر التعامل مع المهربين الملاحقين دوما من السلطات الأمنية في البلاد. وأضاف الوزير الكاروري أن خطة زيادة الإنتاج في محور المعدنيين الأهليين تتضمن إرسال وفود وخبراء من الوزارة والجهات ذات الصلة لرفع وتوعية المعدنيين الأهليين بمخاطر استخدام الزئبق في عمليات التعدين ومراحلها المختلفة، وتدريبهم على الاستخدام الأمثل للمواد الكيمائية المسموح بها، مشيرا إلى أن هناك تعليمات من رئاسة الجمهورية صدرت حديثا لإعداد جدول زمني للتخلص من استخدام الزئبق في التعدين التقليدي لضرره على الإنسان، موضحا أن وزارته تعكف حاليا على توفير بدائل لهذا العنصر الخطر، سيتم التوصل إليها واستخدامها قريبا. وحول عدم التزام بعض الشركات العالمية والمحلية بالأنظمة والقوانين التي تحكم عمليات الاستكشاف والتعدين، التي تصل أعدادها إلى 349 شركة منها 149 شركة امتياز و152 شركة تعدين صغيرة و48 شركة لمخلفات التعدين، أشار الوزير الكاروي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، عقب مجلس الإعلامي الأسبوع، إلى أن الشركة السودانية للموارد المعدنية الحكومية شرعت في إعداد خطة عاجلة وسريعة للرقابة على قطاع التعدين الصغير في البلاد ووضع معايير لإحكام الرقابة على تلك الشركات بهدف زيادة إنتاجيتها، حيث ستجد الشركات الجادة والملتزمة بالأنظمة الرعاية والاهتمام، في حين ستعامل الشركات غير الجادة والتي لا تحقق عملا، بموجب مواد القانون التي تتيح إلغاء العقود المبرمة معهم، وبالفعل تم اتخاذ هذا الإجراء مع الشركات التي ثبت عدم جديتها، منها من أُنذرت وأخرى شُطبت. وأعرب الكاروي، وزير المعادن، عن أمله في أن تحقق هذه الإجراءات نتائج ملموسة في رفع إنتاج البلاد من الذهب إلى مائة طن مع مطلع العام المقبل ليصبح السودان الثاني في إنتاج الذهب في القارة الأفريقية، مشيرا إلى فتح الباب لمزيد من الاستثمارات العربية للدخول في هذا المجال، خصوصا السعودية التي وقعت معها الحكومة السودانية اتفاقا لقيام مشروع لاستخلاص المعادن في البحر الأحمر تصل تكلفته إلى 76 مليون دولار. تجدر الإشارة إلى أن وزير البترول السعودي السابق، الدكتور إبراهيم النعيمي، أجرى في السودان في مايو (أيار) الماضي مباحثات للبدء في تنفيذ مشروع تعديني كبير يطلق عليه (أتلانتس تو) يقع في قاع البحر الأحمر الذي يربط الدولتين، وتم خلال المباحثات مناقشة تقرير الشركة العالمية التي ستنفذ المشروع، بعد أن قدمت خطة شاملة تشمل النواحي الفنية والمالية للمشروع. ووافق الجانبان على خطة الشركة المعدلة التي تشير إلى بدء الإنتاج مع مطلع العام 2020 لتحقيق استفادة الدولتين من هذا المورد الاقتصادي الجديد وتحقيق مصلحة البلدين عبر المشروع الذي وصفه الوزير السعودي بالمشروع الحيوي الذي يدفع بعلاقات الشعبين السوداني والسعودي وحكوماتهما، وقال بعد ختام المباحثات وإبدائه سعادة كبرى في التوصل إلى هذه المرحلة من المشروع الذي تم التعاقد حوله قبل أكثر من سبعة سنين: «لم يعد هناك وقت للكلام، فقد انتهى». وكان وزير المعادن السوداني قد أعلن أن السودان قد أنتج 82 طنا من الذهب منذ بداية عام 2015 حتى مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2015. وقال الكاروري وقتها إن بلاده باتت تعتمد على صادرات المعادن - لا سيما الذهب - لجلب العملات الصعبة لاستيراد عدد من السلع المهمة، وأشار إلى إقبال كبير من الدول والشركات العالمية على قطاع المعادن السوداني. وبحسب إعلان سابق صادر عن وزارة المعادن السودانية أيضا، بلغت جملة عائدات الذهب أكثر من مليار دولار خلال عام 2014، حيث أنتج السودان 71 طنا منه. وكانت وزارة المعادن السودانية قد وقعت في يوليو (تموز) 2015 اتفاقا مع شركة سيبريان الروسية للتنقيب عن الذهب في ولايتي نهر النيل (شمال) والبحر الأحمر (شرق). ويمثل استخراج الذهب جزءا رئيسيا من جهود الحكومة السودانية لإنعاش الاقتصاد بعد فقدان ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط بانفصال الجنوب عام 2011، إذ تدهورت قيمة العملة الوطنية وبلغ سعر الدولار في السوق السوداء نحو 14 جنيها، بعد أن كان سعره 2.9 جنيه قبل الانفصال. ويعمل أكثر من مليون سوداني في قطاع التعدين الأهلي الذي ينتج الجزء الأكبر من الذهب.