مالت أسعار النفط الخام أمس للارتفاع من أدنى مستوياتها في شهرين بعد صدور بيانات أمريكية أظهرت انخفاض مخزونات الولايات المتحدة من الخام في حدود توقعات السوق التي تهيمن عليها المخاوف من تخمة الإمدادات. وأبدى السوق اهتمامه بإعلان عملاق الطاقة السعودي "أرامكو" توقيع أربعة عقود مع شركات دولية لبناء محطة الفاضلي لمعالجة الغاز معتبرين أن هذا المشروع سيمثل نقلة نوعية في إنتاج الكهرباء في السعودية كما أنه يعد خطوة جيدة - بحسب مراقبين - في خطة التحول نحو منظومة الطاقة المتكاملة والتركيز على استغلال وتنوع موارد الطاقة المختلفة. وكان لإعلان ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي عن مباحثات سعودية روسية مرتقبة في الجزائر في أيلول (سبتمبر) المقبل تأثير إيجابي على السوق خاصة في ضوء توقعات بأن تسفر تلك المباحثات عن مشروعات مشتركة جديدة في مجال الطاقة في البلدين إلى جانب تأكيده على استمرار التشاور وتبادل المعلومات مع منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" فيما يخص دعم استقرار السوق مع استبعاد ملف تجميد أو خفض الإنتاج. وتستعد كبريات شركات الطاقة في العالم لإعلان نتائج الربع الثاني من العام الجاري وتوقعات بقية العام خلال الأسبوع المقبل فيما تصب التوقعات نحو انكماش استثماري في أغلب الشركات نتيجة تراجع الأسعار مع الالتزام بشكل أوسع ببرامج الكفاءة وخفض النفقات التشغيلية. وفي هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، جيروم شميت نائب الرئيس التنفيذي ومدير التنمية المستدامة والبيئة في شركة "توتال" العالمية للطاقة، إن المرحلة الراهنة تتطلب مزيدا من التطوير والتنمية لقطاعات الطاقة المتجددة تفاعلا مع المتغيرات الدولية ومع توجهات المجتمع الدولي لزيادة موارد الطاقة المتجددة رغم محدودية مساهمتها – في أفضل الأحوال – في مزيج الطاقة العالمي. وأشار شميت إلى أن "توتال" تولي اهتماما خاصا بتطوير طاقة الرياح وزيادة إنتاجها وجعلها في متناول كل العملاء منوها إلى أن هذه الطاقة رخيصة التكلفة وواعدة في النمو كما أن الشركات الصغيرة في هذا المجال أصبحوا منتجين ومستهلكين للطاقة في الوقت نفسه، مؤكدا حدوث طفرة في شركات تأجير توربينات الرياح الصغيرة (10-100 كيلو واط) للشركات الريفية والمنازل في الولايات المتحدة. وأضاف شميت أن تجارب الاعتماد على الكهرباء المولدة من طاقة الرياح في الولايات المتحدة تحقق نجاحات طيبة ومتتالية لافتا إلى أن المستهلكين يدفعون حاليا تكلفة أقل للكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة، التي توفرها شركات المرافق العامة في نيويورك وتتوسع الآن في الغرب الأوسط، ولا سيما في ولايات كولورادو وكنساس ومينيسوتا. وأوضح شميت أن "توتال" تقوم بالعديد من المشروعات حول العالم في مجال الطاقة الجديدة عن طريق الذراع الاستثمارية لها، التي تقوم باستثمارات مهمة لدعم تطوير الأعمال المبتكرة في مجالات مثل الطاقة المتجددة وكفاءة وتخزين الطاقة إلى جانب مشروعات الطاقة الرقمية والنقل المستدام. من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن سعر الدولار ومستوى المخزونات ما زالا لهما اليد العليا في التأثير على مجريات أسعار الخام بالتوازي مع التطورات الجيوسياسية وقد رأينا في الأيام الماضية كيف تفاعل السوق مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي لم يتضح حتى الآن حجم تداعياته وتأثيراته، كما تأثر السوق على نحو مؤقت ومحدود بمحاولة الانقلاب في تركيا. وأشار كروج إلى أن شركة "أرامكو" السعودية بدأت بالفعل خطوات سريعة نحو التحول إلى شركة طاقة متكاملة، وفي هذا الإطار جاء مشروع محطة الفاضلي لمعالجة الغاز والذي يعد خطوة متميزة نحو زيادة الاعتماد على الغاز كوقود نظيف متوقعا انطلاق مشروعات أخرى في مجال الطاقة المتجددة وهي ما سيعزز مكانة الشركة قبل بدء عملية الطرح الجزئي للخصخصة العام المقبل. وأضاف كروج أن المباحثات المرتقبة بين وزيري الطاقة السعودي والروسي ستبلور دون شك الكثير من أطر التعاون المشترك المستقبلي بين أكبر منتجين للطاقة في العالم كما أنها ستعزز في الوقت نفسه التنسيق بين منتجي "أوبك" والمنتجين المستقلين من خارجها، مشيرا إلى أن ملف تجميد أو خفض الإنتاج توارى كليا في ضوء مؤشرات واسعة عن تقلص الإنتاجين الأمريكي والكندي والصعوبات التي تواجه مستقبل الإمدادات والمعروض النفطي في ضوء اضطراب الإنتاج في ليبيا ونيجيريا وفنزويلا وغيرها. إلى ذلك، ذكرت لـ "الاقتصادية"، إيريكا ماندرفينو مدير العلاقات العامة بعملاق الطاقة الإيطالي "إيني"، أنه يجب أن يتم تعاون دولي واسع سواء بين المنتجين أو المستهلكين لعلاج التشوهات الرئيسية في سوق الطاقة في المرحلة الراهنة، خاصة ما يتعلق بعدم وجود التوافق بين أسعار النفط والغاز وهيكل التكاليف في هذه الصناعة الحيوية. وشددت ماندرفينو على أن هذه القضية تعتبر في الواقع واحدة من أهم القضايا الرئيسية التي يتعين معالجتها لإعادة تنشيط الاستثمارات النفطية وضمان إمدادات طاقة عالمية متنوعة، مشيرة إلى أن الأسعار كانت قد انخفضت بنحو 70 في المائة مقارنة بقبل عامين وانخفضت التكاليف بنحو 15 إلى 20 في المائة فقط لافتا إلى أن كثيرا من الاستثمارات تعمل في ظل منظومة تقوم على أساس مستوى الأسعار نحو 80 دولارا للبرميل. وقالت ماندرفينو إن الاستثمارات مطالبة بسرعة النجاح في مواءمة هياكل التكلفة والعمل في ظل أسعار منخفضة والتأقلم معها بحيث تكون قادرة على الحفاظ على مستوى معقول من الاستثمارات وبالتالي الحفاظ على حصتها في السوق، مضيفة أنه بعد انسحاب كثير من المنتجين من أصحاب التكلفة المرتفعة فإن تنوع المعروض العالمي ينحسر مشيرة إلى أن قلة قليلة من الدول صاحبة التكلفة المنخفضة ستستمر في إنتاج وتطوير الموارد وتتركز أساسا هذه الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، فقد ارتفعت أسعار النفط الخام أمس لينتعش الخام الأمريكي من أدنى مستوياته في شهرين بعد صدور بيانات حكومية أظهرت انخفاض مخزونات الولايات المتحدة من الخام في حدود توقعات السوق التي تهيمن عليها المخاوف من تخمة الإمدادات. لكن خسائر عقود البنزين الأمريكية تفاقمت لتسجل أدنى مستوى لها في أربعة أسابيع بعدما أظهرت البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية زيادة مفاجئة في إمدادات البنزين على الرغم من نمو الطلب في الصيف. وبحسب "رويترز"، فقد ارتفع عقد أقرب استحقاق لخام برنت 50 سنتا بما يعادل 1 في المائة إلى 47.16 دولار للبرميل، ونزل الخام 76 سنتا في وقت سابق إلى أدنى سعر خلال اليوم 45.90 دولار.