وضعت الحرب أوزارها تقريباً بجنوب السودان إثر إتفاقية نيفاشا 2005م،تلك الحرب الأهلية التي إمتدت منذ عام 1955م وإلى الإتفاقية ،إلا من سنوات عشر توقفت فيها الحرب بعد إتفاقية أديس أبابا1972م . الجهات التي أشعلت حرب الجنوب ، آثرت أن لا يفيق السودان من أزمته المتطاولة ، ليقع في أتون أخرى أشد ضراوة ، وأعمق جُرحاً، و أشد إيلاماً من حرب الجنوب التي إمتدت عقوداً، ولم تدخل مجلس الأمن وتُصدر بشأنها قرارات قاسية ضد السودان ، إلا أن النزاع في دارفور أتخذ منحنى آخر ، تسارعت فيه كل ( اللوبيات )، لتصدر عن مجلس الأمن قرارات ، وكأن الذي حدث في دارفور يماثل الحرب العالمية الثانية برغم فداحته وأثره بالنسبة للسودانيين . سنوات قليلة – جداً- بمقايس النزاع ، حول السودان بفضل ( اللوبيات) رصدت لذلك مادة دسمة مزيفة إنتقلت بسرعة فائقة للعانوين البارزة في الصحف العالمية، ويقابل رئيس الدولة العظمى في العالم إمرأة سودانية ، إدعت زوراً أن حقها اُنتهك في حين أعتصمت الدولة الكبرى عن مقابلة أي مسؤول سوداني مهما علت درجته أوقاتاً متطاولة . هذه الفوضى الخلاقة التي أنتجتها السياسة الخارجية الأمريكية ، بتطوير نهج الكيل بمكيالين وإستخدام كل الأسلحة الناعمة التي باشرت فيها الآلة الإعلامية الضخمة لتشويه صورة السودان التي دُمغت بالقتل والاغتصاب والإبادة الجماعية ،في حين الأزمة في دارفور أزمة فطريّة ،ونزاع حتمي وتاريخي بين الرعاة والمزارعين ،يُحل بالمحاكم التقليدية والقضاء العشائري، في تلك المناطق المختلفة التي تزاوجت عبر سنوات طويلة، فامتزجت الدماء الزنجية بالدماء العربية وصهرت المكونات المتباينة في بوتقة واحدة، هذا تم عبر سنوات موغله في التاريخ لكن الأخطاء الداخلية المستغلة خارجياً عصفت بهذا النسيج الواحد حيث لم تكتف تلك الجهات المغذّية للأزمة بأن تورط رمز السيادة للسودان بالخداع والتلفيف والفبركة وذلك بإنتاج أفلام بالغة الخطورة تصور القتل والاغتصاب والإبادة الجماعية . كذّب السودان وشعبه المؤامرة ضد البشير منذ أول يوم ،و إلتف حوله ضد تسليمة الرئيس للمحكمة ، ربما صدّق الكثير من العالم، الحملة الضخمة والداوية لإخراج القرار كما ينبغي لكن إرادة السودانيين مع المجتمع الأفريقي هزمت الجنائية بالضربة القاضية ، وسافر البشير طولاً وعرضاً أرجاء العالم كله ، من الصين الدولة العظمى ، إلى جنوب أفريقيا أيقونة الأفارقة في النضال والثورة على التمييز و العنصرية ، رغم أنها موقعه على نظام روما فالقارة السوداء حطمت قرارات المحكمة الجنائية التي تطال رؤوساء الدول الأفريقية ، بينما تعجز عن مُساءلة محض جندي في البحرية الأمريكية ، قتل العشرات في أفغنستان ، والعراق ومناطق أخرى في العالم المختلف بحجج واهية مثل نشر الديمقراطية وبث الشفافية والحفاظ على حقوق الانسان فتسقط دون ذلك مئات الآف من الأبرياء دون وجه حق . منذ أيام قليلة ( تحصلت صحيفة The London Evening Post) البريطانية على معلومات بأن رئيسة المحكمة الجنائية الدولية الأرجنتينية المولد سيلفيا أليخاندرا فيرنانديز دي غورمندي تلقت بين عامي 2004 و2015 في حساباتها المصرفية الخاصة في مصارف (بانكو بوبيولار) على 17 مليون دولار أميركي استُخدمت على ما يبدو في رشوة شهود، مما ساعد المحكمة على اتهام الرئيس السوداني.ويُزعم أن تلك المبالغ جرى تحويلها عبر حسابات القاضية سيلفيا غورمندي من قبل شركات ومؤسسات لا تخضع للرقابة الدولية، في دفعات تراوحت بين 150 ألف دولار و250 ألف دولار أميركي. وأوضحت الصحيفة أن تلك الأموال توفرت للقاضية غورمندي عندما كان قرار تجريم البشير قيد الدراسة، وكانت المحكمة الجنائية الدولية تبحث عن أدلة لاتهامه.وأضافت أن غورمندي قامت بتوزيع تلك الأموال على جماعات في دارفور، من بينها حركة تحرير السودان التي أسسها عبد الواحد محمد نور وآخرون عام 2002.أدلة وهميةالصحيفة قالت إن تلك الأموال توفرت للقاضية غورمندي عندما كان قرار تجريم البشير قيد الدراسة وكانت المحكمة الجنائية الدولية تبحث عن أدلة لاتهامه وأضافت أن غورمندي قامت بتوزيع تلك الأموال على جماعات في دارفورويُعتقد أن غورميندي، التي عُينت رئيسة للمحكمة الجنائية في مارس من العام الماضي، واستخدمت تلك الأموال لجمع أدلة وهمية وإحضار شهود زور للإدلاء بشهاداتهم ضد الرئيس البشير. ودفع الكشف عن هذه الفضيحة رئيس المنتدى الأفريقي ديفيد ماتسانغا إلى مطالبة غورمندي بتقديم استقالتها من منصبها، وقال إنه من غير اللائق لرئيسة المحكمة الجنائية الدولية أن تتلقى مبالغ ضخمة غير مبررة تفوق راتبها السنوي.وقال إن لائحة الاتهام ضد البشير يبدو الآن أنها وُضعت عبر رشوة كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، مضيفاً أنهم في المنتدى الأفريقي سبق أن قدموا أدلة تظهر تورط المدعي العام السابق للمحكمة لويس أوكامبو في قضية البشير.ومضى إلى القول إن لديهم ملفاً ضخماً من الأدلة ضد أوكامبو يتضمن تسجيلات صوتية ومرئية، فضلاً عن بيانات مصرفية تبين حركة أموال طائلة لشراء ذمم شهود واستخدامها في القضية المرفوعة ضد البشير. نشر الصحيفة البريطانية لهذه المعلومات الخطيرة أعطى مصداقية عالية للمعلومات ، فقد شهد شاهد من أهلها بما يعني تساقط أركان الدعوى من أساسها . يبدو أن الجهات المعنية بإجتراح الفوضى الخلاقة، وبعدما عمت الحروب منطقة الشرق الأوسط ‘إنتشر القتل في كل الأمكنة ، وتلوثت أيادي الكبار بالدماء ولذا جاء اوان التخلص من محكمة الجنايات الدولية ،هذا الامر ليس بهذه السهولة ولكن هناك تداعيات تؤدي لهذا الهدف ليس بطريقة ثورية انما مؤشرات لزوال هذه المؤسسة غير العادلة . فامريكا متورطة حتى أذنيها في جرائم كثيرة بتدخلها المباشر في العراق وافغانستان وغيرها من دول ، تفيض الحصانة على جنودها ، تارة لأنها غير موقعة على نظام روما، وتارة بالقوة الجبرية لانها الدولة العظمى التي تفرض إرادتها على الجميع . السودان غير موقع على ميثاق محكمة الجنايات الدولية ، هذا يعني ان لا علاقة له بقراراتها ثم المدعي السابق السيد اوكامبو قد جمع ادلته بهذه الطريقة الشائهة بالتزوير والادعاءات الباطلة ، والممارسات غير الشريفة. الحكومة والشعب يدركان هذه الحقيقة منذ أول وهلة ، هذه القناعة الراسخة جعلت من البشير (ايقونة) في الشجاعة والجسارة وكسر الحصار، الذي جعل من الاتحاد الافريقي يرى ان المحكمة الجنائية صُممت لاجل انتهاك سيادة الدول الافريقية و ملاحقة قادتها . السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح لماذا تأخرت المؤسسات الصحفية الغربية في كشف ما عندها من معلومات ووثائق في هذا الصدد ؟؟ يبدو ان النسق الناظم لقضية المحكمة الجنائية ضد السودان ،أُسس على النفاق وفبركة المعلومات ، وتلقي الرشاوي لجلب شهود مزّورين لقلب الحقائق وتزيفها رأس على عقب فلم تزر المحكمة عبر (مدعيّها)وتُجري تحقيقاً شفافاً عادلاً ، ومن ثم تصدر احكامها بل عمدت على تسيس القضية الدارفورية برمتها فتخرج عن سياق العدالة والقانون . كل هذا بدأ الإعداد له قبل أن تضع حرب ( الجنوب ) اوزارها بقليل في عام 2005م لتبدأ دورة ساخنة من تأجيج النزاع في دارفور وهتك النسيج الاجتماعي بها وتمزيق التعايش السلمي الذي امتد عبر مئات السنين بين مكونات المجتمع الواحد المتجانس بين عرب وافارقه . هذه الفتن والابتلاءات الكثيرة حتى لا يستقر السودان ابدا ليننتفع من موارده الغزيرة والمتنوعة . السودان مع الاشقاء خاصة دولة قطر استطاع ان يتجاوز قضية دارفور بعد عقد من الزمان فتعود لسيرتها الاولى رويداً رويداً . حكومة السودان تجاوزت عدة أزمات ودفعت الثمن غالياً بفصل جنوب السودان بعد اكثر من خمسين عاماً مضت على حرب الاهلية لينفصل الجنوب بعد اقرار حق تقرير المصير . والان السودان يخرج من معركة محكمة الجنايات الدولية منتصراً باجماع القارة الافريقية على كل ادعاءات المحكمة وقراراتها ومن ثم وركلها في مزبلة التاريخ. لتبقى الحقيقة البائنة ان منْ أُسس على باطل فهو باطل لا محالة ومن أُسس بنيانه على تقوى فنعمّا هو ولو بعد حين ! * كاتب صحفي سوداني