شهدنا خلال هذا الشهر الفضيل ارتفاعا غير مسبوق للأسعار، وخصوصاً أسعار الخضروات والورقيات. ورغم أن الغلاء أو التضخم قد أصبح من الظواهر التي تلاحقنا باستمرار فإننا في مناسبات مثل هذا الشهر الكريم نتوقع دائماً أن تؤخذ خصوصيته بعين الاعتبار. طبعاً نحن هنا لا يمكن أن نعفي الجهات المعنية بمحاربة الغش والتلاعب بالأسعار من المسؤولية. فهذه الجهات لو كانت تعمل وفقاً للتوجيهات الصادرة لها بخصوص الرقابة وكشف المتلاعبين لما حدث ما شهدناه. إذ إنه ليس هناك مقدمات حقيقية تبرر كل هذا الارتفاع المصطنع للأسعار. وأنا أقول مصطنع لأن بقية الأسواق في العالم أو كثير منها يشهد توجها معاكسا. ولكنه الجشع الذي يدفع بأصحابه لنسيان أننا في رمضان. فالكيل قد طفح إلى درجة أن رئيس جمعية حماية المستهلك قد أصبح مضطراً لرفع يده مستسلماً، مثله مثلنا، وصار يطالب بالمقاطعة. ولكن عن أي مقاطعة ونحن في هذا الشهر الفضيل. وأنا هنا أعتقد أن المقاطعة أو الامتناع عن شراء صنف معين تقليد جيد ولكنه بعيد عن ثقافتنا. وهذا أمر يعرفه أصحاب المحلات التجارية قبل غيرهم، وإلا لما فعلوا ما يفعلونه. ولذلك فنحن نحتاج، طالما أن جمعية حماية المستهلك ووزارة التجارة والصناعة وبقية الجهات المعنية قد أصبحت بلا حول أو قوة، إلى البحث عن وسائل أخرى غير تلك التي اعتدناها طوال السنوات الماضية. فمثلما نعلم فإن أحد أسباب ارتفاع الأسعار هو الاحتكار. وأنا هنا لا اقصد هذا المصطلح بمعناه الضيق- أي تحكم بعض الشركات وأصحاب الأموال بأسعار بعض المنتجات المعروضة في السوق، فهذا بدون شك يلعب دورا لا يستهان به فيما نراه. فما قصدته هو عدم تعدد أشكال الملكية. فنحن ليس لدينا لا في مجال الانتاج ولا في مرحلة التصريف ملكيات أخرى غير الملكية الخاصة. ولذلك فإنه لكسر هذا النوع من التحكم بالأسواق ربما نحتاج إلى تشجيع الملكية التعاونية. فالجمعيات التعاونية والأسواق التعاونية قد أثبتت نجاحها في الحد من غلو الاسعار في العديد من البلدان. واعتقد أن تجربة الشقيقة الكويت وكذلك الصين في هذا المجال يفترض أن تكون محل اهتمامنا. من ناحية أخرى لا بد أن نعترف بأن تطور القطاع التعاوني وحده لا يستطيع أن يقضي بشكل نهائي على توجه بعض الشركات نحو التلاعب بالأسعار، ورفعها بصورة غير مبررة. فالمسألة تحتاج إلى منظومة متكاملة من المعالجة. وأعتقد أن الجانب الحقوقي والإجرائي يفترض أن يعطى الأولوية التي يستحقها؛ فتطور القوانين التي تحارب التحكم المصطنع بآلية عرض السلع والخدمات في الاسواق هو أمر في غاية الضرورة. بل إن الأمور قد تتطلب إنشاء هيئة عليا ذات صلاحيات واسعة لمحاربة الاحتكارات بمختلف أنواعها. ونحن هنا لا نحتاج إلى اختراع الدراجة كما يقول المثل. فكل ما علينا هو أن ندرس تجارب البلدان التي سبقتنا في هذا المضمار مثل الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وأن نأخذ منها ما يناسب ظروفنا وبيئتنا.