حتى وقت ليس بالبعيد كنت أتخيل المرأة أكثر عاطفة, وأرق أحاسيس, وأكره للكره والتوحش بعامل تكوينها أماً وجنساً ناعماً لا يقبل الخشونة ولا الرعونة؛ إلا أن وقائع اليوم الملموسة أثبتت أنها في قسوة الرجل ووحشيته ودمويته عندما يستبد بها العناء, ويتملكها جنون الاستبداد. خذوا مثلاً هذه النماذج الحية: - مارلين أولبرات وكونداليزا رايس من أمريكا. - غولدا مائير وتسيبني ليفني من تل أبيب. ربما لأن العدوى بالعنف كانت طاغية إلى درجة أن كلاً من وزيرات الخارجية جئن طاغيات. صراعنا مع الأعداء في مواجهة الاعتداء صراع حياة أو موت, ونزاعنا فيما بيننا نزاع موت وموت. قرأنا عن الهولوكوست النازي في زمن ذهب فأشفقنا على الضحايا, وتملكنا الاشمئزاز والغضب؛ واليوم نشهد على أرض غزة المحروقة بأيدي أبناء وحفدة من أبيدوا (هولوكوست) هو الأوحش والأقسى, شعرنا معه أن نازية الماضي كانت من ذهب. الذين لا يستفيدون من دروس التاريخ, ولا يأخذون العظة من حوادثه وأحداثه؛ مجرد أموات حتى ولو كانوا على قيد الحياة. أقسى من موت الجسد أن تجد ضميرك في داخلك يتعذب دون أن يجد منفذاً مفتوحاً كي يصرخ على الأقل ولو من باب التنفيس عن وجيعته وشكايته. العقل العربي في وطنه يهجر فيتحجر, وما أن يهاجر أو يُهجّر حتى يتفجر بالنبوغ والإبداع, نراه إليه في شخص علمائنا العرب كيف أتيحت لهم فرصة الإنجاز والإعجاز فبرزوا، وتميزوا، وشقوا طريقهم ظهوراً على الساحة وأداء مبهراً في العمل. ليس من الحكمة محاكمة العقل الذي يملك العطاء دون أن يقدر عليه؛ الحكمة كل الحكمة محاكمة العراقيل والعقابيل التي تقف في وجهه, وتصادر منه حرية العقل. أخطر ما تواجهه أية أمة من الأمم أن يكون منظارها التي تتطلع منه إلى ما بعد يومها وغدها لا يتسع لرؤية حقائق الأشياء التي تنتظرها وتنتظره, لأن نظرها مشبع بتراخوما قِصَر النظر.
