الكتابة عن الفن في بيئة لا تحترم الفن ولا تقدر دوره العظيم في صناعة الإنسان والإنسانية هي خيانة عظيمة للفن بمختلف أشكاله. كيف يمكننا التحدث عن الفن في بيئة تفتقر إلى الذوق والإحساس العميق بتفاصيل الجمال بينما الإحساس الراقي هو قلب الفن؟ وكيف يمكننا التحدث عنه في مجتمع لا يكاد يفقه شيئاً عن الفلسفة بينما الفلسفة هي عقل الفن؟ وأنى لنا الجرأة على الحديث عن الفن في محيط يرفض أفراده حرية الفكر والتعبير عن الرأي بسبب انطوائهم على ذواتهم وتوهم كل فرد منهم أن رأيه وحده على صواب بينما جميع خلق الله على خطأ في حين أن تلك الحرية هي أكسجين الفن بلا منازع؟! أزمة الفن هي جزء من أزمتنا الحضارية المتورمة، وهناك مشكلتان خطِرتان تغذيان هذه الأزمة بوجه خاص: الأولى هي انعدام حُرية الفن، وحين نتحدث عن «حرية الفن» فإننا لا نعني «الانفلات» أو«ترك حبل الاستهتار على غاربه» بثوابتنا الدينية وموروثاتنا الأخلاقية والعياذ بالله، بل نعني تجاوز مرحلة ما يُسمى «عدم المساس بالأفكار السائدة» حتى وإن كانت تلك الأفكار تافهة، متخلفة، جاهلة، نما عليها الصدأ وبنت عليها عجائز العناكب بيوتها منذ عقود طويلة لتتخذها مسكناً آمناً لا يُمس! والمشكلة الثانية هي الفقر الشديد في الثقافة الفنية والإحساس الفني، فكل من يتعامل مع الوسط الفني أو الإعلام الفني عن قرب يُصدم بواقع شديد البلاهة «اعذروني على تعبير شديد البلاهة، لكنها الحقيقة!»، فالفن هنا ضائع بين وجود فنانين قلائل حقيقيين لا يملكون فرصة للتعبير عن مواهبهم، وبين آخرين تبرز أسماؤهم على الساحات الفنية كموجات فقاعية مؤقتة بينما لا يملكون من روح الفن، وذوقه، وإحساسه، وخلفيته الثقافية ما يجعلهم مستحقين للقب «فنانين»، وبين إعلاميين ضحلي الفكر والذوق والثقافة يتم حشرهم حشراً في زوايا الإعلام الفني المرئي والمقروء ليتولوا دور جواسيس الفضائح الفنية ومرتزقة النميمة في الأوساط الفنية، وهؤلاء – بطبيعة الحال - كارثة كبرى على سمعة الفن وتقدمه، لأنهم كائنات غير راقية مُجتمعياً، ولدوا في بيئات غير راقية فكرياً وانطلقوا منها ليستندوا إلى «الوساطة» و«اللقافة» متطفلين بهما على الفن، دون أن تصقل الثقافة أرواحهم أو تؤثث الخواء والسطحية في عقولهم! ما أكثر الذين ينزعجون من الإفصاح عن تلك الحقائق ويُحاولون التعتيم عليها بكل وسيلة، لكن الفن الحقيقي لا يقبل الزيف والتزييف، وإذا كنا نريد أن يكون لدينا فن فلا بد لنا من كسر قالب الجمود وإلقاء ألف حجر في المياه الراكدة لعلها تنجو من أقدار المستنقعات. لا بد من إيصاد كل الأبواب والنوافذ وحتى شقوق الجدران على متسللي الفن ومتسلقيه، وفتحها على مصراعيها لذوي المواهب والشغف الفني والإبداعي الحقيقي الأصيل، لعلنا بهذا نتجاوز مرحلة التعامل مع الفن كمجرد «إكسسوار» لا بد من وجود اسمه «وهمياً» مادام الآخرون يملكون مثله!