لم يكن لأحد من أبنائنا أن يلقي بنفسه إلى التهلكة لولا تلك الحملات المنظمة التي شنها دعاة ضلوا الطريق، وأضلوا معهم خلقا كثيرا صدقوهم فيما يدعون إليه وينادون به فخرجوا لما يتوهمونه أو حملوا على توهمه مما يظنونه جهادا في سبيل الله، ونصرة للمظلومين، وإغاثة للمستغيثين بينما بقي أولئك الدعاة الضالون المضلون يتفيأون ظلال النعمة هم وأبناؤهم وأحفادهم لم يخرج منهم أحد إلى ما يدعون له، ولم يقتل منهم أحد في الجهاد الذي أغروا به من صدقهم وانتهى جهادهم عند حد أن يقفوا وراء ميكروفونات المنابر متحدثين، وغرف فنادق الخمسة نجوم مقيمين، وعلى مقاعد الدرجة الأولى مترحلين، لم تقطر من جباههم قطرة عرق، ولم تعفر لحاهم ذرة غبار، ولم يسفع وجوههم لهب الشمس، ولا سرت رعشة الصقيع في ضلوعهم. ولم يكن لأحد من أبنائنا أن يلقي بنفسه إلى التهلكة لولا تلك العصابات التي تتلقفهم في هذا البلد أو ذاك فتزج بهم في أتون الموت، وتزج معهم بوطنهم في حيرة أن يرى أبناءه قد خرجوا من أمنه واستقراره ليخوضوا معارك لا يعرفون من يوقد نارها، ويشاركوا في حروب هم أجهل الناس ببواعثها وغاياتها حتى إذا ما تلطخت أيديهم بالدماء عدهم العالم إرهابيين وتبرأت منهم البلدان التي كانوا يتوهمون أنهم يناضلون لتحريرها، ويعملون على نصرة أهلها. غير أن ذلك كله لم يكن يمنح أؤلئك الذين ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة العذر في الإقدام على ما أقدموا عليه ما دام الله قد وهبهم عقلا يفكرون به كفيلا أن يكشف لهم زيف دعاوى من يدعونهم إلى جهاد لا يخرجون إليه، وموت هم أشد الناس خوفا منه، ولم يكن لأولئك الذين خرجوا إلى الموت أن يخرجوا له وقد أودع الله في صدورهم قلوبا كانت كفيلة أن تجعلهم يشعرون بلهفة قلوب أمهاتهم وقلق آبائهم الذين غادروهم وتركوا لهم غبار الحسرة والألم وكان الأولى بهم أن يكون فيهم جهادهم فيفرون لهم عيشا كريما وراحة بال وطمأنينة نفس ولما لم يكن لدى أولئك الذين يخرجون لما لا ناقة لهم فيه أو جمل عقل فيفكرون وقلب فيشعرون كان من المتوجب أن تسن العقوبات التي تكفل ردعهم عما يقدمون عليه وثنيهم عما يخرجون له، ولعل تلك العقوبات تمنحهم فرصة للتفكير فيكتشفون زيف الدعاة الذين يضلونهم عن الحق، وكيد العصابات التي تقودهم إلى الموت، فإن لم يدركوا ذلك كان السجن أولى بهم يقيمون فيه آمنين على أنفسهم من زيف هؤلاء، وكيد أولئك. عكاظ