باريس: ميشال أبو نجم تتخوف المصادر الأوروبية من أن تضرب السلطات المصرية الجديدة، تحت تأثير التيار المتشدد داخل القوات المسلحة، عرض الحائط بالنصائح التي يقدمها المسؤولون الأوروبيون والداعية «للتروي» في معالجة اعتصامات الإخوان المسلمين وحلفائهم وإعطاء الوقت الكافي للوساطات وبينها الوساطة الأوروبية حتى تؤتي أكلها بما يوفر على مصر ربما «حمام دم» جديدا. وقالت هذه المصادر رفيعة المستوى التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس إن الأوروبيين وجهوا «مجموعة رسائل» للقيادة المصرية ليفهموها أن السير في استخدام العنف لفض الاعتصامات «ستكون له نتائج عكسية» داخل مصر وخارجها كما أنها «ستضع الأوروبيين في موقف صعب بحيث لن يكون بوسعهم بعدها التزام الحذر في التعبير عن انتقاداتهم للمسار الذي تسلكه الأمور» في مصر أو «السكوت» على ما يرونه انتهاكا لحق التظاهر والتعبير السلمي عن الرأي حتى لو جاء على شكل اعتصامات. وتعي أوروبا أن «أوراق الضغط» التي في حوزتها ليست اقتصادية أو عسكرية كما هو حال الولايات المتحدة الأميركية مثلا إذ إن المساعدة الأوروبية لمصر لا تزيد على 420 مليون يورو بينما المساعدة العسكرية الأميركية وحدها تصل إلى 1.3 مليار دولار. فضلا عن ذلك، فإنها ترى أن مساعدتها لا يمكن مقارنتها بالمساعدة الخليجية إما التي أعطيت لمصر أو تلك التي وعدت بها والتي تصل إلى 12 مليار دولار. وكشفت المصادر الأوروبية أن «عددا من بلدان الخليج» يدفع النظام الانتقالي والجيش إلى موقف «متشدد» في التعاطي مع الإخوان بما في ذلك اللجوء إلى القوة لفض الاعتصامين و«تطبيع» الوضع في القاهرة والمدن الأخرى. ولذا، فإن الاتحاد الأوروبي وإن كان لوح من بعيد بقطع المساعدات، إلا أنه متيقن أن هذه الورقة «ليس لها تأثير كبير على القرار المصري» في التعاطي مع الأزمة الحالية. بالمقابل، فإن الاتحاد الأوروبي يعرف «وزن» المواقف التي يعبر عنها وتأثيرها السياسي ومصلحة السلطة في مصر لأخذها بعين الاعتبار لما يمثله الاتحاد سياسيا واقتصاديا وتجاريا ولحاجة النظام لـ«التفهم» الخارجي إزاء الخطوات التي يقدم عليها. وتمثل الوساطة الأوروبية التي قامت بها كاثرين أشتون والتي يستكملها المبعوث الأوروبي إلى الشرق الأوسط برناردينو ليون، المحاولة الأكثر صدقية للخروج من عنق الزجاجة. وقالت المصادر الأوروبية إن أشتون دعت السلطات المصرية إلى التنبه إلى أربعة أمور أساسية: ضرورة «عدم الوقوع في فخ القمع» لأنه قد يستثمر ضدها سياسيا وسيظهر الإسلاميين بمظهر الضحية، و«انهيار صورة» القوات المسلحة التي «لا تتردد في قتل شعبها»، ونسف مصداقية الأطراف التي دعت الجيش للتدخل في 30 يونيو (حزيران)، وأخيرا المخاطرة بإدخال البلاد في منزلق شبيه بما عرفته الجزائر في أوائل التسعينات بعد تعطيل المسار الانتخابي لجهة دفع الإسلاميين «أو المتشددين منهم» للجوء إلى العنف. وكشفت المصادر الأوروبية عن بعض ما دار في اجتماع أشتون مع الرئيس المخلوع محمد مرسي واعتبرت أنه بعكس الكلام الذي ظهر في الصحف ومحطات التلفزة، فإن الاجتماع كان «صعبا» بسبب المواقف المتشددة التي عبر عنها مرسي حيث أكد مرارا أنه «الرئيس الشرعي» وأنه تتعين عودته لممارسة صلاحياته الرئاسية. وعلى الرغم من افتقار أشتون لخريطة طريق للخروج من الأزمة، فإنها اقترحت على مرسي تأمين خروجه مقابل فك الاعتصام. لكنه رفض العرض رفضا قاطعا. وعلم أيضا أن أشتون أعربت عن رغبتها في لقاء مرشد الإخوان محمد بديع لكن الأخير «رفض» اللقاء. وعلى الرغم من إبداء المسؤولة الأوروبية الاستعداد للعودة إلى القاهرة لاستكمال وساطتها، فإنها أبلغت مقربيها أن «تقريب وجهات النظر بين السلطة والجيش من ناحية والإسلاميين من ناحية أخرى صعب جدا إن لم يكن مستحيلا بسبب التباعد الكبير» القائم بين الطرفين. وتقوم استراتيجية الإخوان، وفق مصادر دبلوماسية في باريس، على المراهنة على فشل المرحلة الانتقالية حيث يبدون متيقنين من أن اللجوء إلى القوة «سيقلب الرأي العام في الداخل والخارج» وسيحوله لصالحهم وسيضع السلطات الجديدة في «قفص الاتهام» فضلا عن أنه سيدفع ببعض وجوه الحكم الحالي إلى الاستقالة لشعوره بالإحراج. وبالنظر لتشدد المواقف بين طرف يرفض «العودة إلى الوراء» وآخر متمسك بـ«أهداب الشرعية» تبدو حظوظ الوساطات ضعيفة، فيما وزارة الداخلية وقوات الأمن مستمرة في ممارسة الضغوط النفسية على المعتصمين وإبراز استعداداتها لفك الاعتصامين. وحتى الآن، ترفض المصادر الأوروبية وضع حد للوساطات لأن انهيارها «سيضع مصر على شفير الهاوية وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على المنطقة بأسرها». ولذا تتواصل المساعي الأوروبية لبلورة «خريطة طريق» للخروج من الأزمة من خلال تضمينها العناصر التي يمكن أن يقبلها الطرف الآخر. لكن هذه العملية تحتاج إلى وقت واتصالات وتنازلات متبادلة وتدابير ثقة وكلها عناصر لا تتوافر حتى الآن بأيدي الأوروبيين الأمر الذي يجعلهم أكثر ميلا للتشاؤم من غير التخلي عن الجهود التي يبذلونها.