لماذا يهرب الطبيب والاستشاري السعودي إلى إغراءات القطاع الخاص؛ حتى بات من الصعوبة أن نضرب معه موعدا؛ لأننا لا نجده في المشافي الحكومية؟ لماذا يقول أحد عمداء أكبر كليات الطب لدينا أن كليته فقدت في أقل من عامين خمسين أستاذا جامعيا بالانتقال التام أو بورقة التفرغ؟. الجواب أن هذه "النخب" الجوهرية من جسد أهم قطاعاتنا التنموية، تهرب من نهايات مصلحة معاشات التقاعد الرسمية الحكومية إلى نهاية الفارق مع التأمينات الاجتماعية. أعترف أن السبب جزء من المشكلة لا كل المشكلة، ولكن: ما النظام الإداري الذي استعصى كل هذه السنين على التعديل مع مطلب الأطباء البسيط في أن تكون "البدلات الطبية" جزءا من الراتب الأساسي للطبيب؛ كي تشفع له بالبقاء في الجهاز الحكومي بعيدا عن مخاوف ما بعد التقاعد. نحن نعرف في ظروف اليوم مع المنافسة على البرامج الطبية العليا، أن الطبيب السعودي لن يستقر وظيفيا إلا في معدل الثلاثين من العمر. هي أطول مهنة على الإطلاق في مجال التأهيل والتدريب. هنا يتبقى له مجرد نصف المسافة من الوظيفة إلى أبواب التقاعد الرسمية. يصل لهذا اليوم ثم يكتشف أن ما يقرب من نصف راتبه بلا حسابات مالية لدى مصلحة معاشات التقاعد الحكومي؛ بسبب "أورام" البدلات التي لا تدخل في حسابات مرتبه الأصلي، ولهذا يتقاعد بعد هذا المشوار المرهق الطويل بمبلغ هزيل لا يتناسب مع حجم الجهد الهائل الذي بذله في مسيرته العلمية والعملية المرهقة. ومع كل هذا ظل هذا المطلب الوطني الملح في أن تكون بدلات العمل الطبي جزءا من أساس الراتب، تراوح كل هذه السنين في أدراج اللجان المختلفة، رغم أن الأرقام تقول إن هذه "النخب" الجوهرية لا تشكل سوى أقل من نصف بالمئة من مجموع موظفي القطاع الحكومي. مطلب بسيط ولكن تجاهله ينذر بتكلفة عالية على جوهر القطاع الصحي الوطني، والمطلب... استمعوا إليهم!!