هل تسمح لي السيدة كاترين سامبا بانزا رئيسة إفريقيا الوسطى بتذكيرها بكل القيم الإنسانية الجميلة في العدالة والتسامح والكرامة الإنسانية التي حدثتني عنها كثيراً في المرتين اللتين التقيت فيهما بها؟! هل تسمح لي السيد المسيحية التي تحظى باحترام المسلمين قبل المسيحيين في بلادها بان تنظر بعين المساواة الحقيقية بين أفراد شعبها؟! لقد بانت البشارات الأولى وهي تزور مسجداً يتجمع فيه المسلمون الهاربون من جحيم العنف الطائفي معلنة حرصها على المسلمين الذي لا يقل عن حرصها على المسيحيين.. ولأنني أعرفها جيداً تلك السيدة "الوالدة" كما يطلق عليها مسلمو إفريقيا الوسطى فإنني آمل الا تدحرجها خيول الطائفية التي فرضت نفسها ودبت بأقدامها في هذا البلد الإفريقي المجاور لتشاد والسودان كما قد لا يعرف البعض! أدرك أن المهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة بعد أن تسلح الطرفان، وبعد أن غرق الرئيسان السابقان في وحل الطائفية، لكني أثق في حكمة الوالدة وارتفاعها والنأي بنفسها عن نيران العنصرية البغيضة. أدرك كذلك أن فرنسا عملت عملها وأنفقت من مالها وأرسلت جنودها دون أن تصلح شيئاً، لكن الأمل يظل معقوداً على السيدة كاترين وعلى الاتحاد الإفريقي الذي ناشد العالم مؤخراً التبرع لدعم جهوده هناك. والحاصل أن ارتباط العنصرية والطائفية بالفساد المالي والإداري زاد من أوجاع هذا البلد الذي يتمتع بثروة معدنية هائلة لم تنقذه من الفقر حتى حط في القائمة التي تضم أفقر عشر دول أفريقية. ورغم ارتباط اسم إفريقيا بالرئيس بوكاسا الذي قيل إنه كان يأكل الأطفال وأنفق على حفل تنصيبه ربع ميزانية الحكومة إلى غير ذلك من اتهامات، فان الرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزي هو أول من أنشأ ما يسمى بالميليشيات المسيحية التي مارست أفظع جرائم القتل والنهب ضد المدنيين المسلمين هناك في "سيليكا".. وما بين "بالاكا" و"سيليكا" غرقت أفريقيا الوسطى وما زالت في أنهار الدم. وفي مارس الماضي نجح مسلحو "سيليكا" وأغلبهم من المسلمين في الإطاحة ببوزيزي الذي يدعمه مسلحو "بالاكا" ليعلن أول رئيس مسلم "دجو توديا" حل قوات "سيليكا" ودمج مقاتليها في الجيش الوطني. لكن الخطوة وحدها لم تكن كافية لعودة الاستقرار، حيث دخلت القوات الفرنسية على الخط بالتعاون مع قوات إفريقية ليتم نزع أسلحة الميليشيات المسلمة وسجن قادتها وهو الأمر الذي أجج نيران الغضب.. وفي المقابل، عادت ميليشيات "بلاكا" لممارسة القتل والحرق وهدم المنازل والمساجد. الفارق هنا بين مسلمي إفريقيا الوسطى وغيرهم من المسلمين المضطهدين أنهم يسيطرون على تجارة الذهب والألماس التي تشكل نحو 80% من اقتصاد البلاد.. وعلى غير المعتاد يعتنق كثير من المسيحيين الإسلام ويندرجون معهم في التجارة والتعدين والزراعة. ورغم النشاط الواضح للجماعات التبشيرية في أفريقيا الوسطى يتزايد عدد المسلمين الذين يشكلون أكثر من ثلث السكان يتحدث معظمهم باللغة العربية الفصحى. المثير هنا ان الرئيسة الجديدة كاترين سامبا تتحدث هي الأخرى باللغة العربية رغم إجادتها للفرنسية ودراستها للقانون هناك. لقد رفعت أفريقيا الوسطى عقب استقلالها عن فرنسا شعار الوحدة والعمل والكرامة، وهي ان كانت حافظت بقدر قليل على وحدتها الجغرافية فانها فشلت طوال العهود الماضية في الحفاظ على وحدة الشعب وفي إلحاق شبابه بالعمل المناسب وفي تحقيق الحد المعقول من الكرامة الإنسانية. في ضوء ذلك، جاءت كاترين المولودة في تشاد من أب كاميروني لتمسك بمقاليد الحكم في إفريقيا الوسطى بعد ان جربت نفسها أو جربها شعبها في قيادتها أو عمادتها للعاصمة "بانفي".. في تلك الأثناء من العام الماضي كانت كاترين تمضي في الشوارع دون خوف وتلتقي بزعماء مسلمين وآخرين مسيحيين دون ان يتهمها أحد بالانحياز.. لقد سعت الرئاسة بالفعل لكاترين التي غضب أبناؤها الثلاثة منها لقبولها بالمنصب مصممة على تقديم تجربتها في إعادة الاستقرار لبلادها التي لم تغب عن بالها لحظة طيلة إقامتها لدراسة الإعلام والقانون في فرنسا وتجولها للتجارة في أفريقيا. تدرك كاترين جيداً أن شطارتها في التجارة ونبوغها في القانون وجسارتها في الدفاع عن حقوق الإنسان قد لا تشفع لها في منصب الرئاسة، لكنها تؤمن ان العمر مقدر وأنها نجت من الموت أكثر من مرة في أواسط التسعينيات.. وهي تعتز كثيراً بالصورة التي تحتفظ بها للزعيمين المتحاربين دافيد داكو وآبيل غومبا وهي تمسك بيديهما لتجمعهما على طاولة واحدة للحوار. والحق ان إيمانها العميق بالحوار وانفتاحها على الجميع وعدم ميلها لحزب على حساب آخر أو جماعة على حساب أخرى قد يساعدها كثيراً في الخروج ببلادها من نفق الاقصاء المظلم الذي يعصف ببلاد كثيرة ويجعلها أكثر تخلفاً وفقراً وفساداً من غيرها. لقد نجحت إلين جونسون في ليبيريا الأفريقية كما نجحت جويس ياند في مالاوي الأفريقية.. ويقيناً لو فعلتها ثالثتهن كاترين في أفريقيا الوسطى لقدمت درساً عملياً ميدانياً في مطابقة الشعار مع الواقع.. عيش.. حرية.. كرامة إنسانية. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain