مرت ذكرى ثورة 30 حزيران (يونيو) في مصر هادئة ومن دون احتفالات صاخبة أو حتى احتجاجات ذات قيمة، ربما لأن الحكم مشغول بمعالجة أوضاع الماضي وملاحقة الأزمات الناتجة من سنوات ضرب فيها الفساد مؤسسات الدولة، فيما المعارضة تعاني قلة حيلتها وضعف التأثير بين الناس وتشابك خيوطها مع مسارات خارجية إقليمية ودولية، فتذهب جهودها كل مرة لتنفيذ تظاهرات احتجاجية أدراج الرياح. أما «الإخوان» فمنشغلون بأمور عدة بينها السعي الحثيث إلى تثبيت قناعات أعضاء الجماعة من البسطاء بأن الرئيس السابق محمد مرسي سيعود إلى المقعد يوم الأحد وأن الانقلاب يترنح، وكذلك إدارة الصراع بين قادة الجماعة للفوز بالنفوذ والمناصب، وأخيراً البحث عن مبررات لمسألة تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وهم الذين ظلوا يتهمون الرئيس عبدالفتاح السيسي بالسعي إلى التقرب من إسرائيل ويروجون بين أعضاء الجماعة إلى أن أردوغان هو حائط الصد الأول ضد الدولة العبرية! عموماً بعد ثلاث سنوات من رحيل «الإخوان» عن السلطة في مصر تبدو مؤسسات الدولة أكثر تماسكاً والمجتمع أكثر تجانساً والحكم أقوى سيطرة. صحيح أن هناك معضلات، خصوصاً الإرهاب والاقتصاد والأسعار وسوق العمل والبطالة والتعليم والصحة والعلاج واستمرار الفساد وتدني مستوى الخدمات، لكنها كلها أزمات موروثة عن أنظمة سابقة، خصوصاً نظام حكم «الإخوان» الذي ترك البلد لمدة سنة وتفرغ لتصفية الحسابات مع نظام الرئيس السابق حسني مبارك وحصار معارضيه والسعي إلى «أخونة» مؤسسات الدولة. تشعر أحياناً عند متابعة الخطاب السياسي لبعض المعارضين للحكم، أو قل الكارهين للسيسي، بحجم الغضب الذي يعانونه ربما لأن جهودهم في تحريض الناس لا تؤتي ثمارها. تلحظ في كلام هؤلاء وبينه أحاديث قادة «الإخوان» حال يأس وقلة حيلة، ما يجعل هذا القيادي أو ذلك النخبوي يلجأ إلى الفبركة ونشر الأكاذيب واصطياد الأخطاء في كل مياه عكرة أو صافية، علّ تلك التصرفات تحقق له نصراً مرحلياً أو تمنحه أملاً في إسقاط النظام ولو بعد فترة. فقوى المعارضة صارت عاجزة تماماً عن تحريك الجماهير في الشوارع، واختارت أن «تعكنن» على الشعب الذي انفض عنها، وأن تؤرق الحكم ليل نهار وتشغله عن إدارة البلاد. الفصيل الوحيد القادر على تحريك بعض الجموع هو «الإخوان». وظلت القوى الأخرى وعلى مدى عقود تبحث عن حضور في الشارع، ثم يظهر أن ليس أمامها إلا الارتماء في أحضان السلطة، أملاً في فائدة مباشرة قد تكون مقعداً في البرلمان أو موقعاً تنفيذياً، أو طلب ود الجماعة ومهادنتها بل وإظهار التأييد لها طمعاً في أصوات جموع «الإخوان» في أي انتخابات. لكن أوضاع الجماعة تغيرت، وموقف جموع الشعب منها لم يعد كما كان في عقود سابقة، ليس فقط نتيجة فشلها في الحكم، لكن أيضاً وبصورة أكبر كرد فعل تجاه سلوك «الإخوان» بعد نزع السلطة عنهم، وإصرار قادة التنظيم على المضي في محاولة إسقاط الدولة وليس الحكم، والثأر من كل جهة أو شخص لم يساندهم أو أيد ثورة الشعب ضدهم. وعلى ذلك، فإن «الإخوان» لن يكونوا طرفاً في أي معادلة سياسية مقبلة بحكم موقف الدولة منهم ورفض الشعب لهم. أما بقية القوى فأقصى ما تستطيعه هو مواصلة النضال عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتنظيم الفعاليات الاحتجاجية في الشارع لجذب انتباه وسائل الإعلام الغربية، والحفاظ على ثقة الجهات الداعمة لها في الخارج. وبالتالي فإن قدرة المعارضة على طرح برامج مستقبلية تلقى قبولاً من الناس تكاد تكون معدومة، وصار عليها من دون أن تدري، أو ربما هي تدري، أن تستمر على الطريق الذي رسمه «الإخوان»، وهو السعي إلى إفشال تجربة السيسي. يحتاج الأمر من المعارضة إلى مجهود كبير حتى تستطيع الاتفاق على استراتيجية سياسية يؤيدها قطاع من الشعب، أو أن يطرح أحد فصائلها برنامجاً يحظى بقبول الناس، لكن البناء مكلف، والهدم أسهل وأرخص. هذا هو خيار المعارضة. يحتاج السيسي بالفعل إلى معارضة حقيقية تملك وعياً وتحركها دوافع وطنية، لكنه يواجه مشكلة إذ تهتم قوى المعارضة بإسقاطه وليس منافسته وبإفشاله وليس مواجهته وعرقلة مشاريعه وبرامجه وسياساته وليس وضع بدائل لها.