في 12 مايو 2003 و8 نوفمبر 2003 وفي 21 أبريل 2004، أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن مجموعة من العلميات القتالية الانتحارية، التي نفذها في مجمعات سكنية وأمنية سعودية. كانت العمليات مروعة وعبثية وغير أخلاقية، اعتقد المنتمون للقاعدة حينها أن تنظيمهم الذي نفذ تلك العمليات قادر على هدم الدولة، كان بلا شك فهما ساذجا، غارقا في الأحلام والرؤى الكاذبة، أضف إليها بلادة في تقدير حجم عصابة إجرامية لنفسها مهما بلغت، أمام دولة متجذرة وعميقة، ولديها إمكانات هائلة. في مشهد آخر، ليلة 11 يونيو 2014، انطلقت مئات من سيارات الدفع الرباعي المحملة بالمتفجرات والانتحاريين الدواعش إلى جنوب الموصل، تلاها بعد ذلك وصول قوة يقدر عددها بأكثر من 2000 مقاتل توزعت على ثلاث جبهات، استطاعت من خلالها داعش احتلال المدينة، في مفاجأة مدوية. كانت العمليات الانتحارية بداية استخدامها من تنظيم القاعدة، مجرد ممارسات تكتيكية، يهدف منها إلى إحداث أكبر ضرر بالخصوم، بسبب الاختيار الدقيق لموقع العملية، وعدد القتلى ونوعيتهم في المرة الواحدة. لكن داعش حولتها إلى إستراتيجية عسكرية، فاستقطبت الآلاف من باذلي أنفسهم لصالح «الشيطان»، من تونس والخليج وليبيا والأردن، إضافة لمئات من الأوربيين والشيشان، كونوا رأس الحربة في العمليات التي تحضر لبقية المقاتلين فيما بعد الاستيلاء على المدن والقرى. لقد كانت سياسة ترويع هائلة، نفذت بالتوازي مع عمليات النحر والشوي والإغراق والقتل للآلاف وتصويرها وبثها. كلها أساليب، هدفت لتحقيق بسطة عسكرية على الأراضي، ومد نفوذ دولة «البعث الداعشية» على أوسع بقعة ممكنة. فهل نجح ذلك التكتيك.. لقد تحولت العمليات الانتحارية مع مضي الوقت، إلى مجرد انتحار عبثي، بعدما فقدت تأثيرها، ووقع الصدمة والمفاجأة، إضافة لهروب الكثير من المتبرعين للانتحار، وهو الذي دفع داعش لقتل كل من يحاول الهروب من تنفيذ الانتحار. لو فكرت داعش لوجدت أن الأمر أصبح سيانا أمام المقاتل الهارب، بل إن فرص بقائه حيا تتزايد لو هرب، بينما فرص موته تصل لمائة بالمائة إذا بقي ونفذ العملية. خلال الثلاث سنوات الماضية، نفذ «داعش» مئات العمليات على معظم مدن وقرى سورية والعراق، لكنه يفقد اليوم معظم تلك الأراضي يوما بعد يوم، ويقتل رجاله، وتتحطم معنوياتهم. مشكلة التنظيمات ذات العقائد المتطرفة، إيمانها بالمدد «الغيبي» الذي سوف يأتيها فجأة ويغير معادلات القتال، وتتمادى في الدم دون أن تفكر في السياسة، فلا المدد قدم، ولا الأعداء استسلموا. لقد سقط خيار العمليات الانتحارية، الذي نفذ في الموصل ودير الزور والرقة، وبني غازي، وسيناء، ولم يعد يسقط المدن ولا يحقق الانتصارات، واليوم ليس أمام «داعش» إلا انتظار الموت والقتل والانتقام الذي سيطاله قريبا جدا.