تنزلت بعض الآيات القرآنية على النبى، التى تؤكد أنه سيموت إذا انقضى أجله كغيره من الأنبياء عليهم السلام، وكسائر الخلق، وأن الخلود فى هذه الدنيا لم يكتب لبشـر، ومن تلك الآيات: قوله تعالى: كُلُ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَرِ وَالْخَيْرِ فِتْنَة وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: ٣٤]. وقوله تعالى وَمَا مُحَمَدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُسُلُ، أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَ اللَهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللَهُ الشَاكِرِينَ [آل عمران: 144]. كما تنزلت عليه آيات فيها إشارة إلى قرب أجله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينا فَمَنِ اضْطُرَ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَ اللَهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 3]. وقوله تعالى {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَهِ أَفْواجا (2) فَسَبِحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَهُ كانَ تَوَابا (3)} [النصر: 1ــ3]. وقد سأل عمر بن الخطاب ابن عباس رضى الله عنهما عن هذه السورة، فقال: هو أجل رسول الله أعلمه الله له: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ فتح مكة، فذاك علامة أجلك. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم. [البخارى: 4294]. وقد حدثت بعض المواقف والكلمات والأحاديث من النبى، كلها كانت تشير إلى قرب أجله، من ذلك: 1ــ الاعتكاف عشرين ليلة: فى السنة العاشرة من الهجرة فى شهر رمضان اعتكف عشـرين ليلة، مع أنه كان يعتكف عشـرا. [البخارى: 2044]. 2ــ مدارسة القرآن الكريم مرتين: كان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن الكريم كل سنة مرة فى رمضان، إلا هذه السنة دارسه مرتين، قال صـلى الله عليه وسلم: إن جبريل كان يعارضنى القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضنى العام مرتين، ولا أراه إلا حضـر أجلى [البخارى: 3623، 3624 واللفظ له، ومسلم: 2450/99]. 3ــ لئن بقيت إلى قابل: عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفى رسول الله. [مسلم: 1134، وأصله متفق عليه]. وفى رواية: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع [مسلم: 1134/134]. 4ــ خذوا عنى مناسككم: كان ينادى فى الناس فى الحج بقوله: لتأخذوا مناسككم، فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه [مسلم: 1297]. 5ــ يوشك أن أجيب: قوله فى عودته من الحج: يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب [مسلم: 2408]. 6ــ لعلك لا تلقانى بعد عامى هذا: عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله إلى اليمن خرج معه رسول الله يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله يمشى تحت راحلته، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى ألا تلقانى بعد عامى هذا، ولعلك أن تمر بمسجدى هذا، وقبرى. فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: إن أولى الناس بى المتقون؛ من كانوا وحيث كانوا< [أحمد: 22052]. 7ــ إن لم تجدينى فأتى أبا بكر: عن جبير بن مطعم رضى الله عنه، قال: أتت امرأة النبى، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت، قال: إن لم تجدينى فأتى أبا بكر [البخارى: 3659 واللفظ له، ومسلم: 2386]. 8ــ الصلاة على شهداء أحد: فى أوائل صفر من السنة الحادية عشـرة، خرج رسول الله إلى (أحد) فصلى على الشهداء رضى الله عنهم، فعن عقبة بن عامر، قال: صلى رسول الله على قتلى أحد بعد ثمانى سنين، كالمودع للأحياء والأموات. [البخارى: 4042 واللفظ له، ومسلم: 2296]. وفى رواية: أن النبى خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إنى فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإنى والله لأنظر إلى حوضى الآن، وإنى أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإنى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدى، ولكنى أخاف عليكم أن تنافسوا فيها [البخارى: 1344، ومسلم: 2296]. 9 ــ الاستغفار لأهل البقيع: كما خرج رسول الله ليلة إلى البقيع فاستغفر لـمن فيها من الأموات ودعا لهم [مسلم: 974]، فكانت تلك زيارات وداع للأموات، ورسائل فراق للأحياء. وقد خرج ليلة فافتقدته عائشة رضى الله عنها، فخرجت فى إثره فوجدته بالبقيع يدعو لهم، فلما رأته عائدا أسرعت قبله إلى بيتها، فلما جاء النبى إليها قال: إن جبريل أتانى... فقال: إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم [مسلم: 974/103].