أصبحت القضية السورية تشبه «لحمة الملوخية» التي يصعب على أهلها الإمساك بها إلا بعد عدة محاولات، والتشبيه هنا يأتي من جهة أن القضية السورية بدأت في أول أمرها واضحة المعالم فهناك ثورة شعبية سلمية ووجهت من قبل نظام طاغ بالرصاص الحي فتحولت بعد شهور من اندلاعها إلى ثورة مسلحة لانشقاق بعض العسكر عن جيش النظام وقيامهم بالدفاع عن أهلهم في المدن والقرى والأرياف المستهدفة بآلته العسكرية من طائرات وبراميل متفجرة ومدافع وصواريخ وكيماوي وذبح وإعدامات ميدانية مهولة ومجازر جماعية يندى لها جبين الإنسانية ! ولكن تلك الثورة ما لبثت أن سحبت عالميا وإقليميا إلى مسارات شتى حتى أصبح لها أكثر من رأس وطرف وكلما ظن من يمسك منها برأس أو طرف أنه فهم القضية «تزحلقت» من يده وظهر له منها رأس أو طرف آخر، فأصبح الحليم يقف أمامها حيرانا وهو يرى شعبا كاملا يذبح ويشرد ويضيع ويجوع وتنتهك أعراضه وتستباح أرضه وييتم أطفاله، والجميع عنه لاهون في الوقت الذي يقاتل فصيل ضد آخر وكل فصيل يزعم أنه على الحق المبين، بما في ذلك فصيل النظام وأزلامه من «حزب اللات» والمرتزقة من الحرس الثوري والشبيحة وجيش الدفاع الشعبي وحصل ذلك بتخطيط لئيم من قبل أجهزة مخابرات غربية وشرقية - عليها من الله ما تستحق - فدعمت تناحر الفصائل ومكنت النظام الفاشي من إثبات ما زعمه من وجود متطرفين ضمن فصائل الثورة حتى بلغ الأمر حدا من السوء إلى أن بعض السياسيين الغربيين أخذوا يدعون إلى بقاء الأسد على رأس النظام لمدة أطول لأن ذلك في نظرهم خير من داعش وماعش وأضرابها من البراغش! مع أنه ما صنع وقدم الفصائل المناحرة وجعلها تضرب الثورة في مقتل وتخلط الأوراق وتضخم حجم الحيرة والتردد إلا الذين يمسكون بأوراق اللعبة ولا يهمهم مصير الشعب السوري لأن مصالحهم المادية فوق كل اعتبار، وهكذا سادت لغة التخوين وأصبح كل فصيل يخون الآخر ويوجه سلاحه إليه بوحشية غير مسبوقة إلا في أدغال كمبوديا، فيما أخذ النظام السوري الفاشي يتبجح بما يحققه من انتصارات ويقلل من قيمة أي اجتماع أو مؤتمر دولي حول سوريا ويؤكد أن أي قرار وتوصيات تصدر حول الوضع السوري سوف تعرض على استفتاء شعبي نتيجته معروفة سلفا وليس هناك من يلوم النظام السوري البشع على «تبجحه» لأنه فاقد للحياء أصلا ولكن اللوم كل اللوم يقع على الذين ورطوا الشعب السوري وحرضوه على الثورة ثم خذلوه خذلانا عظيما فلم يجد حوله معينا، وعلى هذا الشعب المخذول، أن يردد ليل نهار قوله عز وجل «ليس لها من دون الله كاشفة».