بينما تتمتع قرطبة بالكثير من السمات الجغرافية التي تجعل منها موقعاً مثالياً لتكون العاصمة، فإن الطقس في الصيف يمكن أن يكون حاراً بشكل غير مريح. ولهذا السبب فليس من المفاجئ أن الكثير من حكامها بنوا مساكن لأنفسهم خارج المدينة. الموقع الطبيعي لمثل هذه الأماكن كان إلى الشمال الغربي من المدينة حيث تقبع جبال سييرا مورينا أو سلسلة جبال الشارات. عبد الرحمن الأول كان الحاكم الأول الذي يشيّد لنفسه مثل هذا المقر الصيفي الخاص، الذي لم يتبق منه شيء اليوم، وله كما تقول الإدارة المسؤولة عنه حديقة جميلة جداً احتوت على كثير من النباتات الغريبة، التي عرفها في شبابه في سوريا. وأطلق على المسكن اسم الرصافة، نسبة إلى المقر الريفي المطل على الفرات حيث قضى طفولته الهانئة. اليوم، وفي الموقع الشهير يقع فندق حديث يسمى أروزافا، وهو مبنى لا ينقصه القبح، ولكن مع الإطلالة المميزة ذاتها على المدينة والنهر. وهناك مقر آخر على هذه الشاكلة شيده عبد الرحمن الثالث. ولكنه لم يكن مجرد قصر، ولكن بحسب ما أطلق عليه مدينة الزهراء، والتي تعتبر مدينة صغيرة لم يسبق مثيل إلى فخامتها. واستمد اسمها من سرية تدعى الزهراء، وبدأ بناؤها عام 936 للميلاد. ولم يستغرق بناء كامل المجمع أقل من خمسة وعشرين عاماً. وشارك فيه نحو عشرة آلاف رجل. وتطلب ذلك أيضاً 2600 بغل و400 جمل. وتتألف المدينة بشكل أساسي من الحدائق التي تحتوي على كثير من أحواض السمك، بالإضافة إلى مسجد وحمامات عامة ومدارس واصطبلات يمكن أن تضم نحو 2000 حصان. وقيل إنها ضمت ما لا يقل عن 4000 عمود بعث بالكثير منها قادة من أرجاء العالم. وكانت جدران وأسقف قاعة الاستقبال الرئيسية من الرخام المنزل بالذهب.. وكانت النوافذ من المرمر الشفاف، والميزة الفريدة من نوعها للقاعة تمثلت في حوض الزئبق، الذي يبعث أشعة من النور كلما مرت عليه أشعة الشمس. وعقب مرور سبعين عاماً على الانتهاء من بناء المدينة بأكملها سويت المدينة بأكملها بالأرض على يد جنود بربر. أهم الآثار التي عثر عليها اليوم موجودة في المتحف الأثري بقرطبة، وتتضمن هذه الآثار المهر البرونزي الشهير الذي أضافه عبد الرحمن الثالث في الأساس إلى النافورة التي أهداها له الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع. وتنافس الكثير من الكتاب والشعراء العرب في وصف هذه المدينة الفريدة من نوعها وقد وصلت إلينا صورة عن الانطباع الذي تركته لدى زوارها الأجانب، وهذه الصورة تسرد كيف أن وفداً من بلاط مسيحي سار على بسط ممددة على طول الطريق من بوابة قرطبة إلى مدينة الزهراء تحت سيوف الجنود المشهرة على جانبهم. وعند مسافات منتظمة كان الوفد يلتقي كبار رجال الدولة وهم جالسون على مقاعد فخمة مرتدين ملابس. وفي كل مرة يلتقون بصاحب مقام رفيع كان أعضاء الوفد يسجدون، فيقال لهم إن هذا ليس الخليفة بل عبد أحد عبيده. وفي مدينة الزهراء الكمية الكبيرة من الآثار التي عثر عليها خلال سنوات كثيرة من عمليات التنقيب جعلت الخبراء يأخذون بعين الاعتبار السؤال المتعلق بكيفية تقديمها. ومن ثم تقرر تجميع قطع كل قصر على شكل نماذج كبيرة في مقياس 1: 1. وهكذا يتمكن زوار اليوم من رؤية الموقع الذي تحدث عنه شعراء ذلك العصر ورواته.