السياسي الفاشل هو من يحب ويكره، لكن هذا العنوان يقصد المجاز لا الحرف. متطرفو السلفية والشيعة – معا – يريدون نقل ملفات المنطقة من خانة الخصومة السياسية إلى خانة الصراع الطائفي، وهذا ما يجب ان لا نسقط فيه. لا اتعجب من الموقف السلبي الذي تكنه السلفية إزاء الشيعة، لأن السلفيين يحملون ملاحظات على السنة أنفسهم قبل الطوائف الأخرى. كما يتضمن الخطاب السلفي نقدا ونقضا يستهدف الطائفة الشيعية، فإنه يتضمن – أيضا – النقد والانقضاض على الأشاعرة والماتريدية، الذين هم جمهور أهل السنة. كانت لحظة وفاة الرسول الأعظم بابا لأول صراع على السلطة بين المسلمين، ثم حصل الانقسام الاكبر بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان، بعدها تحول الخلاف السياسي بين المسلمين إلى خلاف فقهي، وتطور هذا الخلاف إلى مقام التمايز العقدي. نستطيع ان نقول ان عمر الصراع بين السنة والشيعة يمتد إلى 1400 سنة مضت، ولو كان بإمكان السنة ان يبيدوا الشيعة لفعلوا، ولو كان بإمكان الشيعة إبادة السنة لما تأخروا، لذا فالسؤال، هل من الضروري أن يمتد هذا الصراع العبثي لـ 1400 سنة قادمة؟!. المتطرفون – في الجهتين – يريدون توريط العالم بأسره في معركة تخضع لقانون الإبادة والبقاء لا حسابات الربح والخسارة، هم ينظرون إلى الثورة في سوريا كصراع بين السنة من جهة وبين العلويين والشيعة من جهة أخرى، وانتصار أي فريق – كما يتصور الطرفان – يتخلص في إذلال الفريق الآخر واجتثاثه. والمنطق الذي وضعت فيه سوريا وضعت فيه العراق، وهناك من يريد ان يضع العلاقة بين العرب وإيران برمتها في نفس المكان. في سوريا كما في العراق، صراع سياسي بين حق وظلم، والذين ينظرون إلى القضية كديوك الطوائف يشرعنون أن يقوم أي شيعي بقتل أي سني حين يقبلون أن يقوم أي سني بقتل اي شيعي، لذلك رعى بشار الأسد – قبل غيره – هذا المنظور استدراجا لقانونه كي يقتل على الهوية كما ان فريقه مستهدف على الهوية، كما يروج!. متطرفو السلفية هم حليف رئيس لبشار الأسد، مثل الحليف الآخر (حزب الله) و(إيران). طوال عمر بشار في الحكم لم يستسغ التحالف مع غير الجماعات الأصولية المتطرفة، بدء من (حزب الله) في لبنان مرورا بـ (حماس) في فلسطين والجمهورية الإسلامية في إيران وليس انتهاء بتنظيم (القاعدة) حول العالم. من ينسى أن تهريب عناصر (القاعدة) إلى العراق كان يتم عبر سوريا؟! من ينسى أن تنظيم (فتح الإسلام) الإرهابي زرعه بشار في لبنان يوم أطلق شاكر العبسي – زعيم التنظيم ومؤسسه – بعفو خاص من سجون دمشق؟!. تذكر هذه الأسئلة وأنت ترى (داعش) تستهدف الجيش الحر من دون أن تمس جيوش بشار برصاصة محققة – في نفس الوقت – دعايته السلبية عن ثورة شعبه. وضع بشار مع المتطرفين خارج سوريا لا يختلف عن داخلها، فالخطاب الطائفي التحريضي الذي يطلقه وعاظ السلفية من هنا وهناك لا يخدم إلا الصورة التي يقدمها بشار للعالم عن معركته، هذه الصورة التي لا يستفيد منها إلا بشار وحده!. تحالف بشار مع متطرفي السنة يمتد إلى إيران، طائفية النظام الإيراني لا جدال عليها، لذا تستفيد نخبته الحاكمة من ارتفاع منسوب التطرف والطائفية في محيطها. في حالة الخصومة السياسية تكون إيران نِدا، أما في حالة الصراع الطائفي فهي زعيمة العالم الشيعي، من يقدم لها هذه الخدمة؟ إنهم متطرفو السلفية!. في حالة الخصومة السياسية يتضاءل حلفاء إيران في المنطقة وخارجها، أما في حالة الصراع الطائفي فإن حلفاءها يتزايدون داخلا وخارجا، من يقدم لها هذه الخدمة؟ إنهم متطرفو السلفية أيضا!. الخصومة مع إيران و(حزب الله) يجب ان تكون سياسية لا طائفية، احمل موقفا سلبيا من إيران و(حزب الله) كما تشاء، لكن احملها لأنهم طائفيون لا لأنك طائفي، منذ اقتحمت إيران عالمنا العربي جلبت معها كل شر، فالدماء تسيل والانقسام يعم في اليمن والبحرين والعراق وفلسطين ولبنان. بعد عام 2000 تحول (حزب الله) من استهداف إسرائيل إلى استهداف الدولة اللبنانية واستباح دماء المواطنين العزل في لبنان وسوريا ومارس الاغتيال السياسي والخروج عن سلطان الدولة والمجتمع الدولي بلا رادع، كل هذه الأسباب – وغيرها – تستدعي الخصومة السياسية مع الدولة والحزب، لكنها لا تستدعي أبدا الخصومة مع الشيعة لسبب بسيط: ان الشيعة أنفسهم ليسوا على قلب رجل واحد إزاء إيران وحزبها، أغلب مثقفي 14 آذار – المناهض لـ (حزب الله) – من أبناء الطائفة الشيعية، العدو الأول لنوري المالكي وإيران في بغداد هو (الشيعي) إياد علاوي، ولا ننسى القصة التاريخية المعروفة، ان شيعة البحرين هم من حققوا الاستقلال ورفضوا انضمام جزيرتهم إلى الدولة الإيرانية. ليس هناك خلاف جوهري بين السنة والشيعة إلا في موضوع الإمامة وما عدا ذلك تفاصيل. لا تصدق أيها السني ان كل الشيعة يشتمون أمهات المؤمنين والصحابة، تستطيع أن تستخدم محركات البحث لترى بنفسك أن مراجع شيعية كبيرة ومعتبرة تدين ذلك وتنهى عنه. ولا تصدق أيها الشيعي أن كل السنة نواصب (يناصبون آل البيت العداء)، فالنواصب فرقة تاريخية انقرضت ولم يبق منها إلا الرواسب في التيار السلفي دون غيره. لن يؤثر على حياتك إن كنت ترى ان علي أحق بالخلافة من أبي بكر – رضي الله عنهم جميعا – لأننا لن نستطيع تغيير وقائع التاريخ، ولا يهم كثيرا أن كنت تؤمن بأفضلية عمر على علي – رضي الله عنهم جميعا – عند الله لسبب واحد، أن هذا امر لا يحسمه الا الله وحده في الآخرة لا الدنيا. ما يجب ان يصدقه السني والشيعي – معا – ان هناك تيارات متطرفة سنية (سلفية) وشيعية تريد أن تبيد بعضها، والأفضل لنا جميعا أن نعزل هذه التيارات ولا نسمح لها بالتحكم في معاشنا. أتمنى ان يقتل المتطرفون بعضهم بعضا حتى يفنوا جميعا، لكنني أتمنى أن يخرجوا (الله) من جرائمهم ودمائهم. فإذا كانت كل الطرق تؤدي إلى روما، هي قطعا – في النهاية – تؤدي إلى خالق روما!. فليقتل المتطرفون بعضهم بعضا، لكن فليفعلوا ذلك بعيدا عنا حتى لا يعبثوا بأرواحنا ويدمروا قضايانا.