×
محافظة المدينة المنورة

مصادرة 300 إطار غير مطابق

صورة الخبر

لابد من الاعتراف أن طريق الحداثة ممهدة لكن تتجعد باللغة النقدية والريبة من القادم من بعيد. وهي طريق دائرية يلتقي ماضيها بمستقبلها لكن محور التغير التراكمي لهذه الحلقة المغلقة عمودي، لذلك ستجد أبا الطيب المتنبي وامرئ القيس يقضيان عطلة نهاية الأسبوع معا على ضفاف وادي حنيفة لأنهما يقيمان في الدائرة الإبداعية نفسها التي تتحرك عابرة للزمن والأشياء. قد تلتقي هذه الدائرة مع دوائر أخرى أكثر بيضاوية - دوائر ما أن تتجه فيها إلى الأمام حتى تصل إلى نقطة انحراف حادة تعيدك إلى الدائرة من جديد. لكنها في النهاية دائرة مستقلة بذاتها عن أوجه الحداثات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والعلمية. وحين وفدت فكرة الحداثة إلى مشهدنا المعاصر في أوائل القرن الهجري الجديد، كانت النفوس تمتلئ بالريبة من كل قادم من بعيد مدجج بالمصطلحات وملثم بالمجاز واللغات الأجنبية. ما يبدو لي الآن، أن حداثتنا الحقيقية كانت تقام على هامش حداثة المسميات. كان الأجدر أن نشير إلى الأشياء دون أن نقع في شرك الاسم، ضع اصبعك على الشيء وقل هذا هو، ودع المسمى يرفرف في فضاء خال من اللغة. عند مراجعة مدونة الحداثة العربية -الأدبية في الخصوص- سنجد لها مسارات متعددة لكنها لا تفلت من الخاصية الدائرية. فهي دائماً تنطلق من الداخل باتجاه الخارج ثم تعود إلى الداخل مرة أخرى بانتظار انطلاقة أخرى جديدة. فالجرجاني صاحب دلائل الإعجاز يودع الخارجين إلى دريدا صاحب التفكيك ويستقبلهم حين يعودون. الشعراء الخارجون كالعصافير من أكمام أبي تمام يعودون إليه من فم لوركا. هل الحنين إلى ماضينا مهما ابتعد لا ينفك في دمنا يجري كالمراكب الورقية التي لا تذوب في الآخر؟ كانت النظريات الوافدة إلى مشهدنا الثقافي تلبس العدسات الداكنة وتحكم لبس أنشوطة العنق الأنيقة، لكنها لا تحكم الإمساك بفنجان قهوتنا المر. لعل أغلب ما وفد من هذه النظريات يهتم بفهم النصوص وتفسيرها. ربما كان العمل على فك شفرة اللغة متطلباً عالمياً من متطلبات العولمة. كيف نفك شفرة الآخر لنفهمه ونأثر فيه؟ لذا كان من الواجب على الناقد العربي أن يستقبل الآخر ويفك شفرته أولا، ثم يستقبل نفسه ليفك شفرته بالآخر. كانت هذه العملية مظنة لسوء الفهم كما هو متوقع، ومظنة سوء تقدير أيضا. من أجل ذلك، كانت اللائمة تبحث عن رحالها لتنيخها عند كل من أسال حبره ليسقي شجرة الحداثة الأدبية. كان سؤال أدبية الأدب، سؤال الشعر والإيقاع وأسئلة الهوية لا تتقدم في فلك التجربة كما كانت تتقدم اللغة في الصراع على هامش هذه الأسئلة. كانت الدائرة تضيق شيئاً فشيئاً حتى توقفت عند السؤال المنهجي، كيف يصبح الشيء نفسه ونقيضه في آن؟ يبدو لي اليوم أن شيئاً واحداً ما زالت تدور حوله نحلة النقد ولم تقع عليه: سؤال الحرية والجمال.