قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بقلالي في خطبة الجمعة أمس انه وعلى أبواب العشر الأواخر من شهر رمضان فإن أمتنا الإسلامية تنيخ المطايا فيها، عشر عظيمة، وليال كريمة، بالخيرات مقبلة، وبالفضائل محملة، قد غمرت الكون بنورها، وعمرت القلوب بنفحاتها، يتطلع الصائمون القائمون فيها إلى الأجر العظيم، إلا فلتهنأوا بهذه الليالي فهي الليالي العشر من رمضان. مضت ايام وليالي أفضل الشهر عند الله، وها نحن نستقبل العشر الأخيرة، عشر النفحات الإيمانية والتجليات الربانية، عشر إقالة العثرات، واستجابة الدعوات، والعتق من النيران، فحري بالعاقل أن يتفكر، وبالغافل ان يفيق، وبالمقصر أن يشمر، إنها نعمة الله الكبرى، فمن تمام النعمة أن نغتنمها بالأعمال الصالحة! لقد كان نبيكم محمد (صلى الله عليه وسلم) إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان (أحيَا ليلَه وأيقَظ أهلَه وشدَّ مئزَرَه) كما جاء من حديث عائشة في الصحيحين. وعند مسلم أنها قالت: كان رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشرِ الأواخرِ منه ما لا يجتهِد في غيرِها. نعم، فقد خص (صلى الله عليه وسلم) العشر بمزيد من الأعمال، فقد إحيا الليلِ كله وشد المئزر. قال الحافظ ابنُ رجب رحمه الله: «ولم يكنِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا بقِيَ من رمضان عشرةُ أيامٍ يدَع أحدًا من أهله يطيق القيامَ إلا أقامه». هكذا كان رسول الله في رمضان والعشر الأواخر منه، ثم سارت قوافلُ الصالحين على هذا الهدي النبوي الشريف، تعظيمًا لها، ووقوفاً عند ليلة العملُ فيها خير من العمل في ألف شهر، إنها ليلة القدر، ليلةُ نزول القرآن، ليلة إلتقاء وحي السماء برسول الله، قال تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» (القدر: 1-3). قال الإمام الزهري رحمه الله: (سمِّيت ليلةَ القدر لعِظَمها وقدرِها وشرَفِها ومنزلتها)، إنها الليلة التي (من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه)، فعلى المسلم أن يجتهد في العشر كلها ليدرك ليلة القدر. قال أهل العلم: «وإنما أخفى الله عز وجل موعد هذه الليلة ليجتهد العباد في العبادة، وكي لا يتّكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها، فأراد منهم الجد في العمل أبدا»، وقد جاء عن عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ أي ليلة هي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبّ العفو فاعفُ عني» (متفق عليه). ونحن في هذه الليال الفاضلة والأيام الشريفة حيث تكثر حركة الناس في الشوارع والطرقات والأسواق استعداداً للعيد فإن من المسؤولية الالتزام بأنظمة السير والمرور، فإن مخالفة الأنظمة المرورية تؤدي إلى الحوادث المروعة، وتتلف الطرقات، وتعرقل حركة السير، وتعطل الناس عن تحقيق مصالحهم، ولنعلم جميعاً أن من مقاصد الإسلام تحقيق الأمن والسلامة للإنسان، قال تعالى: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها» فالمحافظة على الأرض مقصد إسلامي ونهج شرعي، جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له، فغفر له»، وجاء عن أبو موسى الأشعري حين قدم البصرة: أن عمر بن الخطاب بعثه ليعلمهم أمر دينهم وكذلك العناية بطرقهم والاهتمام بها. إن الطريق ملك للجميع، فلا يجوز لأحد أن يستأثره كما يشاء، فيغلق الطريق أو يعرقل الشارع، أو يقف بشكل خاطئ في الأسواق مما يزعج الناس، فكل ذلك من أذية الناس. علينا أن نتحمل المسؤولية، فنتعاون مع رجال المرور في الشوارع والأسواق، فإن من مسئوليتهم سلامة الناس، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»، ومن هذا المنبر المبارك نتقدم بالشكر والتقدير لرجال المرور على الجهود الكبيرة التي يبذلونها لتسهيل حركة الناس في الشوارع والطرقات والأسواق، ونوصيهم بالرفق في الأمور كلها واحتساب الأجر في هذا الشهر الكريم. ألا فاتقوا الله عباد الله، واستثمروا هذه الليالي الغُر بالأعمال الصالحة، واغتنموا واجتهدوا وأبشروا وأملوا.