قال الشيخ أحمد مهنا السيسي في خطبة الجمعة: في السنة الثامنة للهجرة في شهر رمضان المبارك كان فتح مكة فقد تجلت في هذا الفتح عزةُ دينِ الله وكرامة نبيه صلى الله عليه وسلم وهذه الامة، بل تجلى الخير للبشرية جمعاء لما جاء في الفتح من مبادئ عظيمة لإصلاح الأمم وإرساء مفاهيم العدل والأمن، فقد تجلى في الفتح التخطيط السليم وتواضع الفاتحين وعفوهم عند مقدرتهم، تجلى فيه إنزال الناس منازلهم وإكرام ذوي الفضل، تجلى فيه سخاءُ أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم. دخل صلى الله عليه وسلم أم القرى التي فتحت قلبها لابنها النبي العائد ومن معه من جنده الباسلين، ويطوف صلى الله عليه وسلم بالبيت العتيق مطأطئا رأسه خاشعا متواضعا تواضع الفاتحين المنتصرين بنصر الله، ولا تنس قولته من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشد الظروف وأحرجها يحرص كل الحرص على تثبيت دعائم الأمن. ثم يحطم الأصنام التي كانت تعبد من دون الله «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» ثم يلتفت قائلا يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء. وينزل قوله تعالى «إذا جاء نصر الله والفتح....»، وحينها يدرك المسلمون اقتراب أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كمال الدين ودخول الناس في دين الله أفواجا، ثم يخطب المصطفى صلى الله عليه وسلم خطبته العظيمة التي أبكت القوم والتي جاء فيها: «ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم...» ويهتف الجميع رضينا برسول الله قسمًا وحظا. وبكى أهل مكة وقد علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقهم إلى دار الهجرة التي اختارها منزلا ومقاما. بهؤلاء أولي البقية الصالحة المجاهدة حقق الله هذا الفتح المبين، قال تعالى «فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض» فأين أمة محمد -في عصرنا هذا- لتقوم بهذا الدور الريادي، إن خلو العالم المعاصر من أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقسط بين الناس حتمًا يؤدي إلى دمار هذا العالم الصغير وإهلاكه، والله عز وجل يحذرنا بقوله «وما كان الله ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون». أما إذا تولى التحكم في العالم السفهاء والجهال والحاقدون والمجرمون من تجار الحروب فضلا عن أعداء الحضارات العريقة من لصوص البشر ولصوص الأوطان وثرواتها، فسلام على الدنيا وسلام على أهلها. وقد رأينا كيف تمتد ألسنة لهب الإرهاب الإجرامي بفكره وفعله إلى عقر دار صناعه والمدافعين عنه ومروجيه وهذا دليل جهلهم وإفلاسهم، فبعد أن جبنوا عن إرسال جنودهم لتدمير الدول وإهلاك الحرث والنسل جعلوا الإرهاب بديلا وهو محيط محيق بهم لا محالة. أجل يقول عز وجل «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك». فأين أولو البقية الصالحة لتضبط هذا الاختلاف، ولم تتخل عن دورها؟ إن القيام بهذا الدور يتطلب أمة واحدة موحِدة صفوفَها متحدةً قويةً آخذةً بجميع أسباب القوة والمنعة وهذا لا يكون أبدا إلا بالاتحاد الذي طال انتظاره، فالحروب تحاصرنا والأزمات المفتعلة لا تفتر عنا، فلا خيار أمامنا سوى الاتحاد للنجاة.. النجاة، فالوقت لا يحتمل التسويف، فخطط حروب الجيل الرابع تترى علينا، فكلمنا أُفشلت خطة أتوا بأدهى منها، فلا بد من رادع أقوى وأقوى من جهتنا لإخماد نار الأزمات المتتالية علينا، ولا بد من توعية الشعوب بهذا النوع من الحروب مع التذرع بالصبر مهما طال أمدها، فلنعجل في الاتحاد قبل فوات الأوان فهو طوق النجاة الباقي بأيدينا قبل أن يفلت..، فكونوا بحجمكم الحقيقي كبارا حتى لا يصير الصغار كبارا على أنقاضكم.. فبالاتحاد لن يتجرأ الصغار على إطلاق تهديداتهم لأي قُطرٍ من أرض العروبة مهد الإسلام، آملين من قادة أمتنا الإسراع في إعلان الاتحاد.. فقد طال تلهف المحبين المخلصين له، فاليوم هو مطلبُهم وغايةُ مناهم ليكون فتحًا مبينا في شهر الفتح المبين.