يناقش الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام محمد عز العرب المتغيرات الوسطية للعلاقة بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي. وفي إطار هذه المناقشة يقول في مقدمة الدراسة: ان التصور المستقر في الاتجاه الرئيس لدراسات التحول الديمقراطي هو أن التحول الانتقالي من النظم السلطوية الى النظم الديمقراطية يقود تباعا الى الاستقرار السياسي، باعتبار ان التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية وإجراء الانتخابات الدورية واحترام حقوق الانسان وفاعلية المجتمع المدني تدفع نحو أوضاع مستقرة داخل الدول، حتى لو كانت ذات تعددية مجتمعية أو منقسمة دينيا، بحيث يتحقق التوافق المبني على مبدأ المواطنة والتوافق الذي يخلق الشرعية السياسية، وهو ما يؤدي بدوره الى تراجع العنف السياسي، وهو ما تشير اليه خبرات النظم السياسية في عدد من الدول الافريقية والاسيوية واللاتينية. وفي مقابل ذلك ثمة اتجاه آخر يرى ان الاستقرار السياسي ليس عاملا حتميا للتحول الديمقراطي، وان النظم الديمقراطية لا تضمن تحقيق الاستقرار السياسي، لاسيما في ظل وجود مشكلات اقتصادية قد تكون حادة علاوة على ان عدم الاستقرار يستمر لإعاقة التنمية الاقتصادية لان عدم المساواة في الدخول والتنوعات الاثنية وتخوفات رجال الاعمال من ضخ استثمارات في بيئة أمنية قلقة تمثل محدودات رئيسية لعدم الاستقرار. ومن هنا يعتقد الباحث ان العامل الحاسم في تفسير تلازمية العلاقة بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي لا يتمثل في تحديد اثر أحدهما على الاخر، وهو ما يتطلب إدخال عوامل وسطية اخرى للوصول الى ما يمكن وصفه بالاستقرار الديمقراطي أو النظام الديمقراطي المستقر، خاصة مع وجود دول ذات نظام ديمقراطي ولكنها تعاني من عدم الاستقرار. وعلى هذا الاساس تناول الباحث في هذه الدراسة المتغيرات الوسطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفسرة لطبيعة العلاقة الارتباطية بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي. وحول المتغيرات السياسية الوسطية يتحدث عن أهمية وجود علاقة ارتباطية بين الاستقرار المؤسسي وبين تطبيق هذه المؤسسات للسياسات بما يحقق العدالة ويعني بذلك ان التحول نحو الديمقراطية يتطلب وجود مؤسسات خدمية ومؤسسات تمثيلية تقوم بمهام التعبير عن مطالب المواطنين والرقابة على أعمال الحكومة على نحو يفضى الى تغيير القواعد الحاكمة. ثم المؤسسات الامنية التي تعنى بالدفاع عن الوطن والمواطن. ويتطلب أيضا الإيفاء بالمتطلبات الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالمواطنة الشاملة عبر التضمين الكامل لكل الفئات، ومعاملة المواطنين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات بدون تمييز. وفي هذا السياق يشير الى دور الاحزاب السياسية في تحقيق الاستقرار المؤسساتي وبتشريع التحول الديمقراطي من خلال إرساء مفهومي المشاركة والمنافسة والى الفصل بين السلطات وأهمية مكافحة الفساد. أما فيما يتعلق بالمتغيرات الاقتصادية الوسطية فانه يركز على أهمية الاستقرار السياسي وتعزيز معدلات النمو الاقتصادي وهوما يرتبط بإدارة النخبة الحاكمة للموارد الطبيعية من خلال انتهاج سياسة توزيعية متزنة وعادلة.. ويرتبط ايضا بتحقيق معدلات من التنمية الاقتصادية والتي تتمثل في الاستثمار من الناتج المحلي الاجمالي، ومستوى التضخم وغيرها من المؤشرات. وفي مجمل الحديث عن المتغييرات الاقتصادية يرى البعض وهم على حق ان العامل الاساس المهدد للسلام الاجتماعي والاستقرار السياسي هو عدم التقارب النسبي في معدلات توزيع الدخل وما ينتج عنه من طغيان فئة اجتماعية على فئة اخرى، وهو ما يشير الى ترف الأقلية على حساب الاغلبية ربما يؤدي الى ازدياد السخط، ويقود الى زعزعة استقرار الدولة قد يؤدي الى العنف والاضطرابات والاحتجاجات المختلفة. وعلى مستوى المتغيرات الاجتماعية الوسطية فان أبرز المحددات المؤثرة على حالة التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي ادارة التنوعات الاثنية والعرقية المجتمعية. ويربط الباحث ذلك من خلال الشعور بالغبن والتمييز الاقتصادي ضد الجماعات الاثنية، خاصة في ظل وجودها في دولة غنية، ما يدفع هذه الجماعات للتمرد ضد النظام القائم.. وفي هذا الجانب يتناول تدفقات الهجرة الاجنبية ومدى تأثيرها سلبا على التحول نحو الديمقراطية لا سيما في الدول الغنية التي تستورد العمالة الوافدة. خلاصة القول يرى الكاتب أن نمط النظام السياسي سواء كان ديمقراطيا أو سلطويا ليس عاملا حاكما لتحقيق الاستقرار السياسي وانما يتطلب توافر مجموعة من المتغيرات الوسطية لكي تتحقق، وتفوق تلك المتغيرات تأثير نمط النظام السياسي وبأوزان نسبية مختلفة، التي تتمثل في توازن المطالب السياسية مع قدرة المؤسسات السياسية وتبلور شرعية الهياكل والأبنية السياسية، وترسيخ أبعاد الخبرة الديمقراطية، وحدود التشاركية في السلطة السياسية، ومسار العلاقات بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، ومحورية دور الاحزاب السياسية في التحولات الديمقراطية، ومعدلات انتشار الفساد في الابنية المؤسسية، وآليات التفاعل مع التحولات الداخلية في المناطق الجغرافية المتقاربة، ونمط ادارة النخبة الحاكمة عوائد الموارد الطبيعية وتحقيق معدلات التنمية الاقتصادية، وملاءمة مشروطية المعونات الخارجية، وادارة التنوعات الاثنية والعرقية المجتمعية واستيعاب تدفقات الهجرة الأجنبية.