سؤال: ما الذي فعله المخرج الإنكليزي الكبير كين لوتش، بعد أربع وعشرين ساعة من نيله «السعفة الذهبية» في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان السينمائي» عن فيلمه المميّز فكرياً ونضالياً «أنا، دانيال بليك»؟ جواب: توجه الى باريس حيث شارك في افتتاح تظاهرة للسينما الفلسطينية أقيمت في «معهد العالم العربي». وكان فيلم الافتتاح «3000 ليلة» للمخرجة الفلسطينية مي المصري. كان لوتش في مقدمة الحضور الى جانب مي المصري نفسها والمخرج كوستا - غافراس (صاحب فيلم «زاد» الشهير ولكن أيضاً صاحب فيلم «هانّا ك.» الذي تناول بالتحديد فصلاً من فصول القضية الفلسطينية وأثار يومها ضجة كبيرة كلفت ممثلة الفيلم جيل كلايبورغ مسارها المهني إذ غضبت عليها المنظمات الصهيونية وقاطعتها في هوليوود). وكان الحفل كذلك في حضور وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ الذي يشغل اليوم منصب رئيس معهد العالم العربي، الى جانب ليلى شهيد الشخصية الثقافية والديبلوماسية الفلسطينية البارزة. يومها بعد الانتهاء من عرض الفيلم، وقبل أن تبدأ ليلى شهيد ومي المصري نقاشاً حافلاً مع جمهور الحضور حول الفيلم، وفي وسط التصفيق المدهش الذي رافق الصور الأخيرة من الفيلم، وقف لوتش صارخاً محيياً، وكذلك فعل لانغ وكوستا غافراس وغيرهما من الحضور ما أشعل الصالة أكثر وأكثر، تحية للفيلم، ولكن أيضاً تحية لكين لوتش، أولاً لفوزه بالسعفة الذهبية عن فيلم نضالي إنساني يقول انه سيكون فيلمه الأخير بسبب بلوغه الثمانين، ولكن أيضاً لأن كثراً من بين الحاضرين يعرفون ان لوتش يعتبر شوكة في خاصرة اليمين الإسرائيلي الحاكم الذي يعتبره «شخصاً غير مرغوب فيه». رسالة من لوتش غير أن الأهم من هذا هو ما حدث بعد ذلك. ففي الأيام التالية كان من المفترض أن يعرض «3000 ليلة» في مدينة آرجانتاي بالضاحية الباريسية، لكن عمدة البلدة وهو ينتمي الى الحزب الحمهوري اليميني، قرر منع عرض الفيلم تحسباً من إثارته المشاكل، فما كان من عدد من الجمعيات اليسارية المناضلة إلا أن اتخذت قراراً بالتوجه الى البلدة والتظاهر فيها ضد ذلك القرار. وكان ذلك مناسبة جعلت جاك لانغ يبادر بإرسال رسالة دعم قوية الى مي المصري. وكذلك فعل كين لوتش، الذي على رغم تعبه بعد عروض كان واضطراره للعودة الى لندن، أعلم منظمي الاحتجاج نيته التوجه الى آرجانتاي لمشاركتهم تظاهرهم. وأرسل للمناسبة، رسالة الى مي المصري يقول فيها: «عزيزتي مي، لقد شاهدت فيلمك «3000 ليلة» أمس الإثنين. إنه فيلم قوي وكبير الأهمية يروي حكاية يتعين علينا نحن جميعاً أن نصغي إليها... وإنني لآمل من كل الذين يؤمنون بحرية التعبير أن يطالبوا بعرض هذا الفيلم. أرجوكم جميعاً أن تشاهدوا هذا الفيلم الآن». طبعاً أمام مثل هذا التحرك تراجع العمدة عن قراره وعرض الفيلم عرضاً صاخباً، كما حاله في كل العروض التي خاضها حتى الآن، وذلك منذ عرضه الافتتاحي الأول في مهرجان تورونتو الكندي في أواخر العام الفائت. فهو منذ ذلك الحين يتنقل من مهرجان إلى آخر ترافقه مخرجته التي تشكو الآن من أن هذا التجوال بدأ يعيق بداية اشتغالها على مشاريعها المقبلة. واللافت في الأمر أن «3000 ليلة» تجوّل حتى الآن في عشرات المدن وعدد كبير من المهرجانات، ونال حتى الآن سبع جوائز آخرها قبل أيام، «الجائزة التعليمية» في مهرجان تاوارمينا السينمائي الدولي في إيطاليا، وهي جائزة جديدة خاصة بالشباب أضافها المهرجان العريق الى جوائزه هذا العام فكان الفيلم الفلسطيني أول الفائزين بها. ومع هذا فإن «3000 ليلة» لم يعرض بعد في أية عاصمة عربية باستثناء عرضه في نابلس ورام الله الذي انطلق منذ كانون الثاني (يناير) الفائت فكان مناسبة لإقامة حفل افتتاحي شهد حصول مخرجته على 6 دروع تكريمية من وزارة الثقافة الفلسطينية وجامعة النجاح الوطنية وجمعية اللجنة الأهلية كما من جمعية الأسرى المحررين «تقديراً لجهودها في السينما الفلسطينية»، وكذلك باستثناء مدينة بيروت حيث يعرض الفيلم منذ أسابيع تمدّد أسبوعاً بعد الآخر بسبب الإقبال الكثيف عليه، من جانبجمعية «متروبوليس» وذلك في انتظار عروضه في الصالات التجارية. وتشيد مي مصري خصوصاً بهذه العروض البيروتية «لأنها تعني لي الكثير، كما تقول مضيفة، كما لأنني لاحظت أن الحضور يتألفون في أغلب الأحيان من شبان ومن مراهقين يصفقون بحرارة بعد انتهاء العرض ما يؤكد لي مرة أخرى أن القضية الفلسطينية وبالأخص قضية الأسرى الفلسطينيين والفلسطينيات، لا تزال حية في عقول وقلوب الأجيال الجديدة على عكس كل ما يقال!» وفي غضون ذلك فاز «3000 ليلة» بجائزة لجنة تحكيم الشباب في المهرجان السينمائي والمنتدى الدوليين لحقوق الإنسان بسويسرا وجائزة الجمهور في مهرجان الفيلم الأول الدولي في أنوناي بفرنسا، بعدما شهدت ليلة عرضه حضور أكثر من 400 مشاهد استقبلوا الفيلم بالتصفيق الحار، ومؤخرًا فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان واشنطن السينمائي. وقبلها فاز «3000 ليلة» بجائزة لجنة التحكيم من العروض الدولية لأفلام وتلفزيون المرأة بالولايات المتحدة الأميركية، ونال جائزة الجمهور بالدورة الـ 60 من مهرجان بلدوليد السينمائي في إسبانيا، كما عُرض في الولايات المتحدة الأميركية من خلال مهرجان بالم سبرينغز السينمائي الدولي في كاليفورنيا، وشارك في مهرجان بوسان السينمائي الدولي بكوريا الجنوبية، ومهرجان لندن السينمائي بعروض كاملة العدد. أما آخر أخبار الفيلم فهو مشاركته خلال الشهر المقبل في مهرجان أميركي يديره المخرج المشاكس مايكل مور الذي قام بنفسه بدعوة مخرجة الفيلم الى المشاركة برسالة جاء فيها: «عزيزتي مي. يسرني أن أدعو فيلمك «3000 ليلة» إلى العرض ضمن إطار الدورة الثانية عشرة لمهرجان ترافرس سيتي الذي يقام في مدينة ترافرس بولاية ميشيغان الأميركية بين السادس والعشرين والحادي والثلاثين من تموز (يوليو) المقبل. إنني أرى أن «3000 ليلة» فيلم رائع وأعتقد بأنه كفيل بإلهام النتفرجين بطرق متعددة، ومن هنا أشعر بقدر كبير من الحماسة إذ أعرضه في مهرجاني» بقي أن نذكر أن فيلم «3000 ليلة» هو إنتاج فلسطيني فرنسي لبناني بمشاركة الأردن والإمارات وقطر، وتقوم شركة MAD Solutions بتوزيعه في العالم العربي. وكان الفيلم قد حصل على منحة أيام قرطاج السينمائية لأفضل سيناريو في 2010. ويروي الفيلم قصة مُدرّسة فلسطينية تضع مولودها الأول في سجن إسرائيلي، فتواجه أصعب التحدّيات من أجل حماية ابنها والحفاظ على بصيص من الأمل. ويشارك في بطولة الفيلم ميساء عبد الهادي، نادرة عمران، رائدة أدون، ركين سعد، عبير حداد، ناهيد فياض، هيفاء الأغا، ختام إدلبي وهنا شمعون. ومي المصري مخرجة فلسطينية، درست السينما وهي في السابعة عشرة من عمرها في جامعة كاليفورنيا، بيركلي وجامعة ولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية حيث حصلت على درجة البكالوريوس. وتمتلك مي تاريخاً هاماً وثرياً من الأفلام الوثائقية التي تتسم بزواياها الإنسانية حصلت من خلالها على أكثر من 60 جائزة في مهرجانات السينما الدولية، ومن بين أفلامها التي حققتها أولاً مع زوجها المخرج اللبناني جان شمعون ثم وحدها: «تحت الأنقاض»(1983)، «زهرة القندول» (1986)، «بيروت جيل الحرب» (1998)، «أطفال جبل النار»(1991)، «أحلام معلقة» (1992)، «أطفال شاتيلا» (1998)، «حنان عشرواي: امرأة في زمن التحدي» (1995)، «أحلام المنفى» (2001)، «يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب وفيديو» (2006)، وأخيراً «3000 ليلة» (2007).