الجملة التي ألفنا سماعها من وسائل الإعلام وهي تتحدث عن أوضاع الطرق في الأحوال الجوية العاصفة، تصف أيضاً أوضاع الطرق التي على المرشحين أن يسلكوها في رحلة السباق نحو البرلمان. فبرغم أن المسافة الفاصلة بيننا وبين موعد الاقتراع معروفة، إلا أن الأجواء العامة للشارع الأردني ما تزال غير واضحة؛ إذ تعاني من الانجماد في المدن، والضبابية في الشمال، وهي مغبرة في البادية والجنوب. المزاج الشعبي، في كثير من مناطقنا، ما يزال مرتابا بسبب تجاربه المتلاحقة مع المجالس النيابية المتعاقبة. فهي متهمة بأنها تركت المواطن مكشوفا في وجه موجات رفع الأسعار وتردي الأوضاع المعيشية، وتغاضيها عن العديد من البرامج والسياسات التي قادت إلى تنامي المديونية، إضافة إلى التجاوز في التعيينات التي كشفت حجم التواطؤ بين الحكومة والنواب في ابتداع استثناءات لتحقيق مصالح فردية. في معظم المناطق والدوائر، يجمع الراغبون في الترشح أوراقهم، ويجرون حساباتهم الأولية واتصالات محدودة مع أقاربهم وأنسبائهم وأصدقائهم، ويقدمون رِجلا ويؤخرون أخرى. وقلة من الراغبين يهتمون ببلورة فهم معمق لتحديات المرحلة ليعكفوا على صياغة برامج مقنعة للتعامل معها. في الحديث الدائر حول الانتخابات في حواضرنا وبوادينا وأريافنا، لا أحد يقدم رؤية برامجية حول بنية الاقتصاد ومشاكل المالية العامة. والفقر والبطالة والتأمين الصحي، قضايا خارج دائرة تفكير وتأثير العديد من الراغبين في أن يصبحوا نوابا في المجلس الثامن عشر. الرؤية الشمولية للحرية والاستقرار والأمن والتغيير والاستثمار غائبة غالباً، باستثناء جمل غير مترابطة، قد يقولها البعض من دون أن يعي معانيها ولا مضامينها. قبل أيام، أقام أحد الأصدقاء إفطارا على شرف أحد الأطباء اللامعين الراغبين في الترشح للمجلس المقبل، وكان الحضور من الطبقة الشابة ممن يقودون مشروعات صناعية وتجارية ناجحة. ما إن انتهى الإفطار، حتى قدم المضيف ضيف الشرف، ودعاه للحديث عن نيته وتصوراته. وقد حاول ثلاثة من بين أكثر من ثلاثين من الحضور الحديث في الموضوع الذي بدا للكثيرين منهم مملا وغير جاذب؛ فقد ملّ الأردنيون سماع الكليشيهات التي يتحدث بها المرشحون، وهم على يقين بأنهم لا يملكون التأثير في أي قضية من القضايا التي يتحدثون بها، ناهيك عن حقيقة افتقار العديد منهم للمعلومات والاهتمام والمهارات الضرورية للتواصل والتأثير. مهما تكن درجة الضبابية والغموض، فإن المجتمع سائر باتجاه اليوم المحدد للاقتراع. عندها، ستُخرج مغرفة الهيئة المستقلة للانتخاب ما في طنجرة الشعب، ومن اختاروا ليمثل إرادتهم. وبقراءة ما يتوفر من مؤشرات محدودة، يمكن القول إن الانتخابات المقبلة لا تحمل أي مفاجآت؛ لا من العيار الثقيل ولا حتى الخفيف. فأكثر من ثلثي أعضاء المجلس المنحل أبدوا رغبتهم في الترشح، والعشائر المختلفة في البادية والريف وحتى العاصمة، تهيئ نفسها للبحث في إمكانية استئناف دورها في تحديد من سيمثلها. أقصى ما يتمناه المرشحون هذه الأيام، هو أن يدرجوا أسماءهم في أكثر قوائم الترشح ملاءمة لأوضاعهم؛ فالمرشحون الأقوياء يحاولون تجنب القوائم التي تحوي أشخاصا من وزنهم، خشية أن يأخذوا فرصهم في أن يكونوا الأوفر حظا في نيل مقعد القائمة. ومرشحو الكوتات في القوائم الانتخابية هم الأكثر اهتماما بوزن القائمة، والأقل قلقا من التعرض للخيانة الرفاقية، لأنهم لا يهددون أيا من فرص شركائهم. برغم أن قانون الانتخاب الجديد هو قانون محافظ يسعى إلى إتاحة الفرصة لكل مكونات المجتمع بأن تمثل حسب وزنها النوعي من دون هيمنة تيار أو حزب بعينه على تركيبة مجلس النواب، إلا أن غياب التحالفات على أسس البرامج ستجعل الطريق إلى القبة سالكة لمن يفلح في الترشح في القائمة الأنسب وليس الأقوى مخرجاته. وحتى ذلك الحين، سيبقى الناخبون ينتظرون نتائج الانتخابات كمن ينتظر السحب على جوائز قد لا نعرف من سينالها. الغد