في الرابع عشر من شهر (يونيو/ حزيران الجاري)، نجحت إسرائيل ولأول مرة منذ انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة في العام 1949، في الوصول إلى أهم لجنة من اللجان الدائمة للجمعية العامة، وهي اللجنة القانونية المختصة ب محاربة الإرهاب ووضع المعاهدات الجديدة والتوصية بالتصديق عليها. وقد نص ميثاق الأمم المتحدة على أن مهمة اللجنة هي تشجيع التقدم المطّرد للقانون الدولي وتدوينه! وقد اعتبر المندوب الإسرائيلي، داني دانون، أحد أكثر المستوطنين تطرفاً، أن الخطوة تمثل حدثاً تاريخياً بكل المقاييس! وسط أجواء الصدمة التي خلقتها الخطوة التاريخية، هناك سؤال لابد منه: هل كان هذا التطور في موقف المنظمة الدولية مفاجأة حقاً؟! وهل هو مقطوع عن تاريخها وسجلها، وما هو الدرس الحقيقي الذي تجاهله الكثيرون وأولهم الفلسطينيون والعرب؟! نفطة البداية كانت في اعتراف الأمم المتحدة المشروط ب دولة إسرائيل وقبولها عضواً في المنظمة الدولية، حسب ما نص عليه قرار مجلس الأمن بقراره تقسيم فلسطين لعام 1947، ثم قرار الجمعية العامة رقم 194، بخصوص إنشاء دولتين يهودية وعربية، وعودة اللاجئين، والذي تجاهلته سبعون سنة، حيث إن الحديث عن هذين القرارين وغيرهما من قرارات المنظمة الدولية بمختلف مؤسساتها، يتكرر دون أن يحدث تقدم يذكر نحو تنفيذهما، بل حدث العكس تماماً. وفي العام 1974، اتخذت الجمعية العامة قراراً باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، ظل مرمياً في الأدراج حتى العام 1992 فألغته نفس الجهة التي أصدرته، ووافقت منظمة التحرير الفلسطينية على إلغائه! الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية، هي التي رشحت المندوب الإسرائيلي لرئاسة اللجنة القانونية. وبعد التصويت، حصل على (109) أصوات، مقابل (4) أصوات حصل عليها مندوب السويد! وفشلت مجموعة الدول العربية، ومجموعة الدول الإسلامية، ومجموعة دول عدم الانحياز في منع ذلك. هل نحتاج للقول إن الدول الاستعمارية التي عملت على إقامة دولة إسرائيل هي نفسها التي كانت وراء دعمها وحمايتها داخل المنظمة الدولية وخارجها حتى يومنا هذا وبكل الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية؟ فأي مفاجأة حملتها الخطوة الجديدة؟! تأسست منظمة الأمم المتحدة، كما هو معروف، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لترسيم انتصار الحلفاء في تلك الحرب ولتقاسم الغنائم. ولم تكن مهمتها، كما جاء في ميثاقها كذباً حفظ الأمن والسلام الدوليين، إلا أن يعني السلام سلام تلك الدول، وأن يعني الأمن أمن مصالحها التي توافقت عليها! لم تكن الشعوب ولا سلامها ولا أمنها في بال الذين أسسوا المنظمة الدولية ووضعوا ميثاقها. هذه هي الحقيقة التي تواطأ على تجاهلها الضحايا طيلة حقبة ما بعد الحرب وحتى سقوط الاتحاد السوفييتي والتي عرفت بحقبة الحرب الباردة. والحقيقة أن الحروب لم تنتهِ ولم تتوقف في تلك الحقبة، بل استمرت خارج حدود المنتصرين وفي كل القارات، بالأصالة حيناً وبالوكالة أحياناً كثيرة. فهل يستغرب بعد ذلك، أن تنتهي بعد مائة عام من تلك الاتفاقات والمعاهدات إن رأت الأطراف نفسها انتهاء مفعولها مع تغير الظروف ورأت حاجة إلى اتفاقات جديدة؟! ومثلما كان عنوان الاتفاقات القديمة إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، نجد عنوان الاتفاقات الجديدة قيد التصميم والتنفيذ هو تمكيندولة إسرائيل من مشروعها الصهيوني في المنطقة ولنفس أهدافها القديمة، وإن اختلفت بعض الوجوه والأسماء! ما جرى ليس مجرد نفاق كما يظن البعض، بل هو سياسية قديمة، يجري عليها الصراع فيها بين الأطراف نفسها حول حدود مصالح كل طرف، مع اتفاق على جوهر الاستراتيجية العامة! إنه في ضوء النجاح الإسرائيلي الأخير تتأكد حقائق كثيرة، ومعها أسئلة كثيرة تطرح نفسها على الفلسطينيين أساساً: - أي معنى يبقى للحديث عن إنجازات الدبلوماسية الفلسطينية، وما قيمة تلك الإنجازات؟! - أي قيمة تبقى لكل القرارات التي صدرت بحق إسرائيل وانتهاكاتها، بعد أن تبين باعتراف المجتمع الدولي أنها دولة فوق القانون الدولي؟! - أي معنى لاستمرار قبول الولايات المتحدة وسيطاً وراعياً وحكماً وهي التي لم تكن يوماً سوى عدو للشعب الفلسطيني وقضيته؟ وأي معنى لاستمرار الاستنجاد بما يسمى المجتمع الدولي؟! - وأخيراً، هل بقي مجال للحديث عن مبادرات السلام التي ترعاها الدول الراعية لدولة الاغتصاب والاحتلال، وحلولها المقترحة التي تخدم مخططات وأهداف صنيعتها الصهيونية؟ دولة إسرائيل هي كيان إرهابي كولونيالي عنصري توسعي، اعترف المجتمع الدولي بذلك أم لم يعترف، قام واستمر وتوسع بالقوة والاغتصاب والتطرف، ولا يزال يزداد تطرفاً، وهي الوسيلة الوحيدة لمواجهته والانتصار عليه! عوني صادق awni.sadiq@hotmail.com