كتب - نشأت أمين : رغم كونه مجرد مكان صغير تكالبت عليه عوامل الزمن، إلا أنه يقوم بعمل ضخم وعظيم، وهل هناك من عمل على وجه الأرض أفضل أو أعظم من حفظ كتاب الله تعالى .. في مكان متواضع بمنطقة رأس أبو عبود تقع دار الفرقان للقرآن الكريم .. داخل مبنى مكون من مجموعة من الغرف من طابق واحد لا يكاد يميزه عن غيره من المباني الملاصقة سوى لافتة صغيرة مكتوب عليها باللون الأخضر اسم الدار. هنا في هذا المكان المتواضع يوجد نحو 40 ألف مصحف قديم قام مجموعة من المتطوعين من المواطنين والمقيمين بتجميعها على مدار أعوام من المساجد المختلفة لترميمها وتجليدها على نفقتهم وإرسالها إلى عدد من البلدان التي تحتاج إليها في أفريقيا وآسيا دون أن يتلقوا تبرعات من أي جمعية أو مؤسسة أو حتى رغبة في ذلك الأمر .. لكن هذا العمل الجليل بات الآن مهدداً وتحاصره المخاطر ويمكن أن يتحول في أي وقت من الأوقات إلى مأساة كبيرة سواء للمصاحف أو الأشخاص المحيطين بالدار بعد أن نجح على مدار 14 عاما في ترميم نحو 25 ألف نسخة. وقال السيد محمد عبدالله المشرف على مشروع دار الفرقان لـالراية إن الهدف الأساسي من إقامة هذا المشروع الخيري هو خدمة كتاب الله عز وجل وذلك عن طريق ترميم المصاحف القديمة وإصلاح ما تلف منها ليتم إعادة استخدامها مرة أخرى وبعد مخاطبة الجهات المسؤولة في الدولة تم الحصول على التصريح اللازم لمباشرة العمل، وكانت هذه الفكرة هي الأولى من نوعها في دول الخليج. وأضاف: عندما بدأنا المشروع كانت المصاحف القديمة مكدسة في منارات المساجد بالآلاف وفي أماكن مختلفة أخرى على مدى نحو 30 عاما، لكن الآن لا توجد أعداد كبيرة من المصاحف القديمة في المساجد، حيث قمنا بنقل الغالبية العظمى منها إلى الدار. ونوه إلى جهود السيد محمد أحمد محمد الهيل أحد رجال العمل الخيري في قطر يرحمه الله، حيث كان من أشد الداعمين لهذا المشروع العظيم بالإضافة إلى مجموعة أخرى كبيرة من المواطنين من أهل الخير في قطر. وقال: المشروع بدأ نشاطه في مكان مستأجر بمنطقة المنصورة قبل نحو 14 عاما وذلك من خلال مساهمات عدد من المتطوعين حيث يقوم بالأساس على العمل التطوعي من جميع الأفراد الذين يعملون فيه وقد قامت الدار في البداية بتوزيع عدد من الصناديق على المساجد في الدوحة من أجل تجميع المصاحف التي أصابها التلف لترميمها، أما التي أصابها ضرر كبير فإنه يتم حرقها بطريقة آمنة إلى جانب بعض الكتب والمجلات الدينية المتضررة التي تتضمن آيات قرآنية أو البسملة أو أحاديث نبوية شريفة، وعلى فترات دورية كنا نقوم بتجميع هذه الصناديق بسياراتنا من أجل فرز المصاحف والكتب الموجودة ومعرفة ما يصلح منها للترميم من عدمه، وبعد أن يتم ترميم وإصلاح وتجليد عدد كبير منها يتم إرسالها إلى بعض الدول التي تحتاج لمصاحف في عدد من البلدان العربية والإسلامية وحتى غير الإسلامية. وأشار إلى أن الدار تمكنت من إتلاف النسخ القديمة التي لا يمكن إصلاحها بالطريقة الملائمة، وذلك بحرقها أو دفنها في مكان مخصص لذلك في المنطقة الصناعية، ولأن الدار لا تتبع أية جهة رسمية، كانت تعتمد أساسا على بعض المحسنين القطريين والمقيمين لتغطية احتياجاتها. لعدم توافر إجراءات الأمن والسلامة اعتذرنا للكثيرين عن استقبال مصاحف أشار محمد عبدالله إلى أن الدار عندما تم تأسيسها في رأس أبو عبود كانت المنطقة المحيطة بها شبه خالية من السكان كما أن الدار نفسها لم يكن بها سوى المصاحف، لذلك لم يكن لدينا أي قلق أو تخوف حيال هذا الأمر، لكن الصورة تغيرت الآن حيث أصبحت المنطقة والدار نفسها مسكونة بالعمال. وفي ظل وجود موقد للطهي يكاد يكون ملاصقا تماما للمصاحف وعدم توافر أي وسائل أمن وسلامة أو أجهزة أطفاء في المكان، فضلا عن القابلية الشديدة لأوراق المصاحف القديمة للاشتعال أصبح هناك خطر على تلك الكمية الكبيرة من المصاحف الموجودة بها وكذلك حياة الأشخاص المحيطين بالدار سواء من العمال أو غيرهم ما يجعل هذا المشروع الجليل مهددا بالانهيار. وأضاف: نأمل من أهل الخير مساعدة الدار فقط في الحصول على مكان آخر أكثر أمانا مجانا أو بإيجار رمزي لنستكمل فيه الرحلة التي بدأناها منذ أكثر من 14 عاما في هذا العمل الخيري العظيم، علما بأننا لا نريد أي تبرعات من أي جهة أو فرد لأن كل الأعمال التي نقوم بها في الدار تعتمد على العمل التطوعي دون أي مقابل سوى ابتغاء مرضاة الله تعالى وخدمة كتابه العزيز. وتابع : نحن على أتم الاستعداد لتسليم المصاحف الموجودة لدينا لأي جهة أو شخص يريد ترميمها والعناية بها ويمكننا أن نقوم بمساعدته بجهدنا المتواضع .. مشيرا إلى أن الدار تتلقى اتصالات كثيرة وبصفة مستمرة من عدد من الأفراد بين الحين والآخر يطلبون منا الحضور لاستلام مصاحف قديمة لديهم لا سيما تلك الموجودة في المساجد المنتشرة بالدوحة والمدن الخارجية، إلا أننا نضطر للاعتذار لهم نظرا للظروف الصعبة التي أصبحت عليها الدار الآن. 50 درهماً تكلفة ترميم المصحف قال محمد عبدالله إنه عقب وصول المصاحف من المواقع المختلفة يقوم المتطوعون أولا بفحصها وبيان ما إذا كان يمكن ترميمها أم لا فإذا لم تكن صالحة للترميم بسبب القدم الشديد وتلف الأوراق نقوم بتجميع ما لا يصلح منها ويتم إتلافه بطريقة آمنة أما المصاحف السليمة فإننا نقوم بتدقيقها أولا وبيان ما إذا كانت مكتملة الأجزاء أم لا ثم تجميعها في الدار استعدادا لخضوعها للترميم والذي يتم خلال أيام العطلة الأسبوعية، حيث يأتي المتطوعون ويقومون بهذا العمل مجانا، وفي بعض الأحيان أقوم بأخذ كمية من المصاحف ليقوم المتطوعون بترميمها في منزلي. وأشار إلى أن تكلفة ترميم المصحف الواحد في الأغلب لا تتجاوز نصف ريال، أما الوقت الذي تستغرقه عملية الترميم فهي ما بين نصف ساعة إلى ساعة في أصعب الأحوال، لكن الأمر الذي يستغرق وقتا طويلا هو عملية التدقيق، حيث إنه في بعض الأحيان قد تكون هناك أخطاء طباعية في أرقام الصفحات أو ما شابه ذلك. وفيما يتعلق بالجهود التي قامت بها الدار على صعيد ترميم المصاحف القديمة والكميات التي تم إنجازها قال : تم بفضل الله وعونه وتعاون المسلمين والمتطوعين ترميم نحو 25 ألف مصحف على مدار 14 عاما وإرسالها إلى دول مختلفة منها: السودان، الصومال الفلبين، الولايات المتحدة الأمريكية. محسنون قطريون يتبرعون بمكان لاستضافة الدار قال محمد عبدالله : منذ نحو 10 أعوام تبرع مجموعة من المحسنين القطريين بمقر دائم مجاني لاحتضان الدار بمنطقة راس أبو عبود، وذلك لتخفيض التكاليف نظرا لغياب التمويل الدائم من أية جهة، وبالرغم من أعمال الترميم التي خضع لها المكان الجديد لتجهيزه للقيام بمهامه على أحسن وجه لمدة أكثر من عام، واصلت الدار نشاطها دون توقف في أعمال ترميم نسخ المصحف الكريم وإرسالها إلى الدول المحتاجة وتوزيع صناديق جمع المصاحف القديمة. وعلى مدى تلك الأعوام العشرة قامت الدار بترميم نحو 25 ألف نسخة من المصاحف وإعادة تجليدها وإرسالها إلى العديد من الدول المحتاجة للمصاحف، لا سيما في قارتي إفريقيا وآسيا كما قمنا أيضا بنقل كمية متنوعة من المصاحف لإحدى الولايات الأمريكية.