حتى هذه اللحظة يصعب إدراك أبعاد الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مفاصل حساسة لنظام الأسد في دمشق فجر يوم الأحد، لكن القراءة الأولية تقول إننا أمام ما يشبه محاولة تنظيف مسرح الجريمة! فالأكيد أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية قد غير قواعد اللعبة في سوريا، والمنطقة ككل. صحيح أن الإدارة الأميركية لم تفعل شيئا حتى اللحظة، إلا أن استخدام تلك الأسلحة قد غير حسابات إسرائيل، وغيرها، حيث وقع المحظور وظهر أن نظام الأسد قد وصل إلى مرحلة اليأس من تحقيق انفراجة بالأزمة، رغم التدخلات الإيرانية ومساعدة مقاتلي حزب الله للنظام. إسرائيل، وبحسب ما سمعته من زعيم كبير أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لديها مخطط متكامل لاستهداف مخزون أسلحة الأسد، وضمان عدم وقوعها بيد حزب الله، أو غيره، ممن تعتبرهم إسرائيل جماعات إرهابية، وكانت تنوي القيام بذلك من قبل لولا ضغوط تمت عليها بمبرر أن استهداف الأسلحة الكيماوية، وغيرها، سيحدث كارثة على الجميع، بما فيهم إسرائيل. لكن الواضح اليوم أن قواعد اللعبة قد تغيرت، فالأسد استخدم الأسلحة، ومقاتلي فيلق القدس الإيراني على الأرض، ومعهم حزب الله، ومن ناحية أخرى هناك التقدم الذي يحققه الجيش الحر، والثوار، والتصريحات الأميركية الأخيرة حول إمكانية تزويد الجيش الحر بأسلحة فتاكة، ويأتي كل ذلك مع تضعضع نظام الأسد الواضح، ومن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى انهيار مفاجئ للنظام الأسدي، خصوصا أن هناك رصدا لعمليات نقل أسلحة من إيران إلى دمشق، ومن دمشق إلى حزب الله، ومناطق يتوقع أنها تمثل الخطة البديلة للأسد، أي الدولة العلوية، وهذا ما يفسر أيضا كثافة المعارك في القصير، ومشاركة حزب الله الشرسة فيها. ومن هنا فإن ما يحدث اليوم هو أن الأسد يسابق الوقت لتأمين أسلحته، وإعادة نشرها، وحزب الله يفعل الأمر نفسه لتأمين تلك الأسلحة، مع المساعدة في تأمين الخطة البديلة للأسد، وإسرائيل بالطبع تسابق الوقت أيضا لضمان عدم نقل ترسانة الأسلحة تلك إلى حزب الله، ومن أجل تقليم أظافر الأسد لكي لا يتمكن من استخدام ما لديه من الصواريخ مع تزويدها بمواد كيماوية في اللحظات الأخيرة، خصوصا أن المعلومات الأولية تقول إن الغارة الإسرائيلية الأخيرة تمت بالتنسيق مع واشنطن. وعليه فإن الجميع يتسابق لتنظيف مسرح الجريمة من الأسلحة قبل السقوط، أو تزويد الجيش الحر بالأسلحة الفتاكة، ويتسابق في ذلك كل من الأسد، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل التي تريد تفويت الفرصة عليهم جميعا، كما تريد تفويت الفرصة على الثوار لضمان عدم حصولهم على تلك الأسلحة في حال سقط الأسد، ولضمان عدم وصول تلك الأسلحة إلى جماعات قد تسارع لفتح جبهة مع إسرائيل. ملخص القول إن قواعد اللعبة تغيرت، وما نشاهده الآن هو أشبه بعملية تنظيف لمسرح الجريمة تحسبا لمرحلة ما بعد الأسد، وقد يتبعها عمليات أكبر وأشد، وربما التدخل الدولي. ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.