في رسالته الجوابية على خطاب التكليف، أفصح رئيس الوزراء، هاني الملقي، صراحة، عن خطته للبقاء في الحكم لأربع سنوات مقبلة، متجاهلا الصلاحيات الدستورية للملك والبرلمان والمجتمع؛ فكأنما قرار استمرارية حكومته منوطٌ به وحده، ويخضع لإرادته المطلقة. خطاب التكليف يتعلق بنهج الدولة، ولا يتعلق بحكومة بعينها؛ وفي الرد على التكليف، أعلن الملقي عن برنامج حكومي لا تكفي أربع سنوات لإنجازه. وفي ذلك تطاولٌ على الملك والبرلمان والشعب، وخفّة في ممارسة العمل السياسي، تذكرنا بمرحلة الرئيس عدنان بدران. حكومة الملقي هي حكومة انتقالية، مهمتها الدستورية والسياسية الرئيسية، هي إجراء الانتخابات العامة. وبنتيجة هذه الانتخابات، سوف تظهر لوحة برلمانية ليس مضمونا أن تمنح لحكومة الملقي، الثقة؛ إلا إذا كان الملقي يزمع التدخل الكثيف في الانتخابات، مستغلا موقعه الحكومي، لتنجيح أغلبية برلمانية تمنحه الثقة لمدة أربع سنوات؟ وحتى إذا لم يكن هنالك تدخل حكومي في الانتخابات العامة، وكان الملقي حصل على تطمينات بترتيب أغلبية نيابية تمكنه من الحكم لأربع سنوات؛ فالسؤال، هنا، يغدو الآتي: ما هي ضرورة هذه الانتخابات، إذاً، طالما أن البرنامج الحكومي محدد مسبقا، ما يعني أن كل الحملات الانتخابية وبرامج المرشحين هي بلا معنى. ثم أننا نعيش في إقليم مضطرب يشهد تحولات سياسية عميقة ومتسارعة، مما قد يدفع الملك والدولة إلى التعامل مع مرحلة جديدة تحتاج إلى رئيس وزراء من طينة مختلفة. وأخيرا، لا آخرا، هناك القوى الاجتماعية السياسية الشعبية على الأرض. وهذه جمّدت نشاطها لاعتبارات وطنية وحرصا على أمن البلد وكيانه. وهذا عاملٌ متغير. وحين نلاحظ أن الملقي لا يتمتع بقاعدة اجتماعية ـ سياسية تسنده؛ فسيكون عليه أن يتوقع الرحيل في الشارع؛ فالملقي مقبول، جزئيا، لأن حكومته هي حكومة انتخابات، لا حكومة حكم. وبالنسبة لمعرفتي بكيمياء الحركة الشعبية الأردنية، فإن استمرار الملقي يوما واحدا في الحكم بعد الانتخابات، سوف يؤدي إلى حملة لن يستطيع النجاة منها. وحتى لو أزحنا كل تلك الاعتبارات، وقرأنا برنامج الملقي بحد ذاته، فسنجده من فئة الكوبي بيست عن أفكار وتصورات افتراضية، تعتمد على الغيب؛ فبرنامج الملقي لا يوضح لنا أجندة تنفيذية ولا الآليات ولا مصادر التمويل، ولا ضمانات بتحقيق الاستثمارات المشتهاة، ولا ينبس ببنت شفة عن كيفية الالتزام بمتطلبات صندوق النقد الدولي، حتى على المدى القصير، أي ضمان عدم زيادة نسبة المديونية العامة للعام 2016 عن نسبتها للغام 2015؛ كيف وبأي موارد؟ الاستثمارات السعودية والخليجية ما تزال في مرحلة الوعود؛ قد تتحقق، ولكن ليس في غضون أربعة أشهر؛ ثم أن هذه الاستثمارات ليست مساعدات، وإنما استثمارات قائمة على أسس الربحية، أي أنها، مثل استثمارات 2005 ـ 2008، سوف تسعى إلى أعلى درجات الكسب، والتمتع بالامتيازات. وهذا أمر طبيعي من وجهة نظر الممولين. الاستثمارات الأجنبية في الأردن لا تجتذبها سوى الامتيازات والاعفاءات والأراضي المجانية الخ، ذلك أنه ليس لدينا في الأردن سوق كبير ولا منصة تصدير ولا تراكم تكنولوجي ولا عمالة رخيصة ( يستوردها المستثمرون، عادة، من دول أخرى.) في الواقع، رد الملقي على خطاب التكليف هو موضوع إنشاء لا غير، مشحون بالتطاول على الدستور والصلاحيات الدستورية والمجتمع، بينما تفضح مماراساته ( في التنازل عن أراضي الفحيص وتقليم صلاحيات ديوان المحاسبة ودائرة المتابعة والتفتيش...) مدى ولائه للدولة الأردنية. خذها مني وعليّ: لن تمكث، أيها الرئيس، في الدوار الرابع، أكثر من يضعة شهور؛ فإذا لم يطح بك البرلمان، سيطيح بك شارع يعرف كيف يُسقط حكومات بلا سند اجتماعي ـ سياسي.