في لقائنا مع سموه يوم الأربعاء الماضي، وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما تقوم به الجماعات الدينية التي تطلق على نفسها إسلامية بأنه اختطاف للدين، مستذكراً سموه بعض مراحل التاريخ التي قام فيها بعض أتباع الديانات الأخرى باختطاف أديانهم، وممارسة القتل والإرهاب باسمه، وارتكاب أعمال يندى لها جبين الإنسانية. في لقاء سموه بالقيادات الإعلامية المحلية والعربية، والكتاب ورؤساء تحرير الصحف الإماراتية، وممثلي المؤسسات الإعلامية الوطنية والعربية والأجنبية العاملة في الدولة، كان سموه واضحاً وصريحاً كعادته، يقرأ التاريخ جيداً ويستفيد من أحداثه، يحلل ما جرى ليقدم صورة مستقبلية لما سيحدث، يرصد ما تقوم به بعض القوى التي تعمل على الإساءة إلى الدول العربية والإسلامية، متهمة إياها بدعم الإرهاب والتطرف، رابطة اسمها بكل ما هو سلبي، مستغلة ممارسات قوى وجماعات تدّعي زوراً أنها تنطق باسم الإسلام، في حين أن الإسلام بريء منها ومن ممارساتها الدموية البعيدة كل البعد عن تعاليمه وشرائعه السمحة، ويطلب سموه من الإعلاميين والكتاب أن يكون لهم دور في كشف الحقائق، والرد على هذه المزاعم. اختطاف الدين واستغلاله لارتكاب أبشع الجرائم هو ما تقوم به فعلاً الجماعات التي ترفع راية الإسلام كذباً، وتستغل اسمه في كل حادث إرهابي دموي يقع في أي ركن من أركان المعمورة، من أورلاندو إلى باريس إلى مالي... إلى كل بقعة يسقط فيها قتيل برصاص أو سكين متطرف موتور مشوش العقل مضطرب النفس عديم الإحساس غير سويّ. وإذا كان هؤلاء المتطرفون يمارسون هذه الجرائم البشعة باسم الإسلام اليوم، ويشوهون صورة هذا الدين السمح، الذي يصف من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض بأنه كأنما قتل الناس جميعاً، فقد شوه متطرفون قبلهم صور أديان أخرى، ومارسوا باسمها كل أنواع التعذيب والقتل، وسفكوا دماء كثيرة، وأحيوا ثارات قديمة، وصنعوا أحقاداً لم يكن لها وجود قبلهم. والمتتبعون لمراحل التاريخ المختلفة، مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، يدركون أن مثل هؤلاء طارئون، وأن الغلبة في النهاية لأصحاب الفكر المعتدل المستنير، الذين يؤمنون بأن الأديان إنما جاءت لنشر المحبة والسلام، وليس لسفك الدماء وقتل الأبرياء، وإذكاء الأحقاد والعصبيات، ونشر الخراب في الأرض. مخطئ من يعتقد أن للتطرف ديناً أو ملة أو مذهباً، وإذا كانت الجماعات المتطرفة التي تدّعي زوراً أنها إسلامية تتبنى اليوم كل عملية إرهابية تحدث على وجه المعمورة، مشوهة بذلك صورة الإسلام السمح، فإن هذا لا يسيء إلى جوهر الإسلام، وإنما يسيء إلى صورة هذه الجماعات التي لا تختلف عن أي جماعة متطرفة مارست الإرهاب باسم الدين عبر مراحل التاريخ المختلفة، وسطرت صفحات دامية من القتل والإبادة، ودفعت أتباعها إلى استباحة دماء الأبرياء من البشر، والقتل بدافع الحقد والانتقام، والرغبة في تصدر المشهد، مدفوعة بعامل التعصب لدينها أو طائفتها أو مذهبها، والشواهد على ذلك كثيرة لمن أراد أن يقرأ ويتعظ. حدث هذا في أوروبا بين الطوائف المسيحية التي عاشت صراعات طويلة فيما بينها، منذ أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية في القرن الرابع الميلادي. وقد شهد القرن السادس عشر انقساماً بين الكاثوليك والبروتستانت هو الأعنف والأكثر دموية في سجل الانقسامات الدينية في تاريخ البشرية، حيث تخللته حروب إبادة لملايين الأبرياء بصورة تفوق الوصف، لعل أشهرها ما حدث في حرب الثلاثين عاماً التي مزقت أوروبا خلال الفترة من عام 1618 إلى عام 1648 ميلادية، وذهب ضحيتها ملايين البشر، خصوصاً في ألمانيا التي خسرت وحدها نصف سكانها تقريباً، وحدثت فيها مجازر وعمليات قتل وحرق وتهجير. وقد انخرطت في هذه الحرب معظم دول أوروبا في تلك المرحلة، عدا إنجلترا وروسيا، حيث اشتركت فيها كل من ألمانيا والسويد والدانمرك وفرنسا وأسبانيا وبوهيميا التشيك حاليا والنمسا وإيطاليا، وخلفت آثاراً كارثية على أراضي هذه الدول وشعوبها، وسببت أوبئة ومجاعات وتدميراً شاملاً لكل وجوه الحياة فيها. كما عانت الهند ذات الديانات المتعددة من الصراعات الدينية التي اشتعلت بين الهندوس والمسلمين والمسيحيين والسيخ والبوذيين على مر العصور، ولعل مقتل رئيسة الوزراء الهندية الشهيرة أنديرا غاندي التي تنتمي إلى الطائفة الهندوسية، على يد اثنين من حراسها ينتمون إلى طائفة السيخ، خير مثال على هذا الصراع الدموي بين المنتمين إلى الديانتين، فقد جاءت عملية الاغتيال هذه انتقاماً لمقتل زعيم السيخ الروحي سانت جارنيل سينغ بيندرا نويل على يد القوات الحكومية، التي اقتحمت المعبد الذهبي المقدس في منطقة السيخ المحصنة في مدينتهم أمريتسار، على أثر اعتصام زعيمهم ومجموعة كبيرة من أتباعه في المعبد، بسبب خلاف نشأ بينه وبين الحكومة حيث حدثت معركة راح ضحيتها عدد كبير من السيخ، وولدت لديهم إحساساً بالحقد والضغينة. لقد فعلت ما أردت.. افعلوا ما تريدون الآن. هذا هو ما قاله أحد الحارسين المنتميين إلى طائفة السيخ، اللذين أطلقا النار على أنديرا غاندي انتقاما لطائفتهما، وهو المنطق نفسه الذي يتعامل به من يقومون اليوم بأعمال إرهابية ممن تم غسل عقولهم والسيطرة عليها من قبل هذه الجماعات الإرهابية. لذلك نقول: صدقت يا سيدي.. إن ديننا مختطَف، ومهمتنا الأولى الآن هي استعادة هذا الدين من الذين اختطفوه، وإعادته إلى أصحابه الأصليين.