دائماً ما كانت الآراء البريطانية حيال مسألة التكامل الأوروبية مرتبطة بانتعاش الاقتصاد البريطاني وبعد الاقتصادات الأوروبية الأخرى. ففي عام 1975 وعندما قررت الغالبية العظمى التصويت على البقاء ضمن السوق المشتركة، وهي الفترة التي بدت فيها بريطانيا منجرة إلى مستنقع الركود الاقتصادي، بينما كانت تنعم كل من فرنسا وألمانيا بمستويات مرتفعة من جودة الحياة تبعاً للمعجزة الاقتصادية التي تحققت بعيد حقبة الحرب العالمية الثانية. أما الآن، فيبدو أن الوضع انعكس تماماً، فمنذ مرحلة ما قبل الأزمة المالية العالمية، اتسم أداء الاقتصاد البريطاني بالمرونة الكبيرة خلافاً للاقتصادات الأوروبية التي كانت ترزح تحت وطأة العديد من الأزمات والتقلبات والديون السيادية الضخمة والكساد ومعدلات البطالة المرتفعة. وقد كان مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سريعين في الاستفادة من المعطيات الحالية للوضع الاقتصادي، مؤكدين أن الحالة الاقتصادية لا تستوجب البقاء في الاتحاد الأوروبي والانجراف مع تيار التقلبات الذي تشهده الدول الأوربية الكبرى. ويرى خبراء أن هذا الطرح غير مناسب نظراً للارتباط الوثيق بين مفاصل اقتصادات الدول الأوروبية ككل، بل إن هنالك دلائل تشير إلى أن الاقتصاد الأوروبي سيعاود انتعاشه بوتيرة النمو التي ستصاحب الاقتصاد العالمي. في الربع الأول من العام الجاري تسارعت معدلات النمو في دول منطقة اليورو ب 0.6%، مقارنة ب 0.4% في بريطانيا، وذلك حتى قبل أن يتأثر الوضع بتكهنات مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعل هذه الحالة نادرة الحدوث في الاتحاد الأوروبي، وهي الكتلة الاقتصادية الوحيدة في الدول المتقدمة التي كانت مؤشرات أدائها أفضل مما كان متوقعاً لها قبل ستة أشهر من الآن. إضافة إلى ذلك، شهدت معدلات البطالة في القارة الأوروبية انخفاضاً بوتيرة أسرع مما كانت تشير إليه معظم التوقعات الاقتصادية، خصوصاً في دول مثل إسبانيا وإيرلندا، وهي ضمن الدول التي عانى عاملوها من الشباب أوقاتاً عصيبة جداً. وأخيراً أصبح للمستهلكين دور أكبر في دفع الاقتصاد الألماني نحو آفاق اقتصادية جديدة. وبالطبع فإنه لا يزال هنالك الكثير من الوقت حتى يستعيد اقتصاد منطقة اليورو عافيته بالكامل، وعلى الرغم من الإشارات والدلائل الإيجابية غير المتوقعة التي لاحت في الأفق، فإن هناك شحاً في الإشارات الإيجابية المرتبطة بتدفق استثمارات الأعمال التجارية، حيث لا تزال البنوك ترزح تحت وطأة الديون المعدومة وعدم القدرة على تقديم المزيد من القروض، علاوة على أن معدلات نمو الإنتاجية ما زالت تتباطأ. وبدون أن تكون هنالك إصلاحات جوهرية فإن هذه المشاكل الهيكلية ستستمر في تشكيل عقبة أمام تحقيق معدلات النمو المطلوبة. ولكن هذا الوضع يبدو صعباً جداً مقارنة بما واجهته منطقة اليورو في عام 2012، ويبدو أيضاً أن المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مخطئ في توقعاته التي تشير إلى أن بعض الدول الأوروبية ستتطلب المزيد من برامج الإنقاذ المالي في ظل الأقاويل المتواترة عن إمكانية أن يضرب الإفلاس أروقة بعض دول الاتحاد الأوروبي. وبلا شك فقد قام البنك المركزي الأوروبي ببعض الأخطاء الفادحة في تعامله مع الأزمة المالية، بيد أن استراتيجيته الحالية بدأت في تصحيح المسار بعض الشيء. ويتمثل السبب الرئيسي في عدم مواجهة بريطانيا لتحديات ديموغرافية كبيرة في أنها كانت أكثر انفتاحية على المهاجرين الشباب، وهي المسألة التي يطالب فيها مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي بتطبيق المزيد من الإجراءات المتشددة للحد من التدفقات غير الشرعية للمهاجرين بأعداد تفوق قدرة الدولة على توفيق أوضاعهم بالسرعة المطلوبة. وتبدو مسألة ازدهار بعض الدول المنضوية تحت الكتلة الأوروبية واضحة جداً، فضلاً عن أن عضويتها في الاتحاد الأوروبي أمر لا يمنعها من تحقيق معدلات ازدهار متنامية، حيث إنه لم تكن هنالك أي معوقات في أن تحقق ألمانيا مثلاً معدلات جيدة في الوظائف وتقليص حجم البطالة.