كتب - سميح الكايد: اعتبر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن المشرق العربي تحول إلى ساحة صراع بين أطراف غير عربية بعد غزو العراق وانطلاق ثورات الربيع العربي، وذلك بعد أن كان الفاعلون الرئيسون في النظام الإقليمي في المشرق العربي لعقود طويلة، من العرب. وذكرت ورقة تقدير موقف للمركز أن تحوّلاً كبيراً طرأ على النظام الإقليمي في المشرق العربي، تمثل في أنّ الفاعلين الأساسيين فيه لعقود طويلة كانوا عرباً منهم العراق ومصر وفي مرحلة لاحقة سوريا، تحوّلت إلى ساحات صراع، وأصبح اللاعبون الأساسيون هم من غير العرب (إيران وتركيا)، وذلك نتيجة الغزو الأمريكي للعراق، وما أعقبه من تداعيات؛ حيث قامت الولايات المتحدة بتدمير ميزان القوى الإقليمي الذي نشأ خلال فترة الحرب الباردة وأرسى حالةً من الاستقرار. سلطت ورقة تقدير الموقف الضوء على واقع بنية النظام الإقليمي في المشرق العربي، ورصدت عبر ذلك بواعث التغيير المتوقع حدوثه في المنطقة في ضوء تنظيم الدولة واستئناف واشنطن تدخّلها العسكري المباشر بالمنطقة بعد أن امتنعت عن ذلك عقب انسحابها من العراق. خلصت الورقة إلى نتيجة مفادها أنّ النظام الإقليمي في المشرق العربي بوصفه من المناطق الرخوة جيوبولتكياً في العالم كان يتغيّر باستمرار بتغيّر النظام الدولي؛ ابتداءً بنظام الحرب الباردة، مروراً بالأحادية القطبية، وصولاً إلى حالة الانحدار النسبي في القوة الأمريكية. واستنتجت أنّه في الوقت الذي كان فيه الفاعلون الرئيسون في النظام الإقليمي في المشرق العربي هم العرب طيلة فترة الحرب الباردة، أضحى المشرق العربي ساحة صراع بين أطرافٍ غير عربية، أهمّها تركيا وإيران بعد غزو العراق ثم انطلاق ثورات الربيع العربي. وقالت: يرتبط النظام الإقليمي في المشرق العربي ارتباطاً وثيقاً ببنية النظام الدولي؛ بحيث أنّ الأوّل كان ومنذ نشأته بعد الحرب العالمية الأولى صدىً للتحولات والتغيرات التي تطرأ على بنية الثاني، وعندما تحوّل النظام الدولي للثنائية القطبية بعد الحرب العالمية الثانية، اندلعت حرب باردة إقليمية شكّلت سوريا ساحتها الرئيسة، أما أطرافها فكانوا مصر والعراق، ومثّلت صدىً للحرب الباردة الدائرة على المستوى الدولي. وأشارت إلى أنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتصار الرأسمالية الغربية تغيرت علاقات القوة في المنطقة العربية بالمثل لمصلحة الغرب؛ إذ جرى عزل كلّ من العراق وإيران وتطويقهما، وتشكَّل في المقابل محورٌ سوري مصري داعم لعملية السلام التي أطلقها الأمريكيون وسيطر هذا المحور على السياسة الإقليمية معظم عقد التسعينيات من القرن العشرين، لكن علاقات القوّة في المنطقة ما لبثت أن دخلت طوراً جديداً بعد هجمات سبتمبر 2001، وساهمت واشنطن في قلب موازين القوى الإقليمية بصورة مباشرة، عندما احتلت العراق وتحوّلت إلى طرفٍ مباشر في معادلات القوة بالمنطقة. وقالت: أعاد الانسحاب الأمريكي من العراق تشكيل علاقات القوة في المشرق العربي؛ فقد تنامى نفوذ القوى الإقليمية، خاصة غير العربية، التي استفادت من انكفاء الدور الأمريكي لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها في هذه المعركة الجديدة، تحوّلت الدول العربية الكبرى وهي العراق وسوريا ومصر التي طالما اضطلعت بدور مركزي في موازين القوى الإقليمية، إلى ساحة صراع لاعبها الرئيسي إيران. ولاحظت ورقة تقدير الموقف أنه في أجواء الصراع المحموم، والذي بدأ يأخذ طابعاً طائفياً متزايداً، بدأت تنظيمات لا دولية تتحوّل في ظروف الصراع الإقليمي إلى لاعبٍ مهمٍ فغداً حزب الله لاعباً مركزياً في الصراع السوري وتحول تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي نشأ أساساً كردة فعل على التغول الإيراني في الهلال الخصيب إلى التهديد الأبرز لنظام سايكس بيكو ودفع واشنطن للعودة مجدداً للتدخل عسكرياً في المنطقة، إذ بات ينذر استئناف التورط العسكري الأمريكي في المنطقة نتيجة صعود تنظيم الدولة، بإعادة ترتيب علاقات القوة فيها عبر مدخلَين أساسيين: الأوّل تراجع نسبي في أدوار الفاعلين الإقليميين في ضوء عودة واشنطن لممارسة دور أكبر بخاصة في العراق؛ والثاني عبر التحالفات والتفاهمات الإقليمية التي ينشدها الأمريكيون للمواجهة. في هذا السياق، أشارت ورقة تقدير الموقف للعربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن صعود تنظيم الدولة والذي أثر في مجمل الأوضاع الإقليمية أثر كذلك على واقع العلاقات الأمريكية بحلفاء واشنطن وخصومها على حد سواء وظهرت في هذا السياق بوادر تباعد أمريكي تركي مقابل نشوء تقارب أمريكي إيراني عنوانه الظاهر والرئيسي الموقف من الحرب الأمريكية على تنظيم الدولة. وأشارت الورقة في هذا العرض النسبي إلى واقع المتغيرات بالمنطقة في ضوء صعود نظام الدولة إلى أن النظام الإقليمي بالمشرق العربي بوصفه من المناطق الرخوة جيوبولتكياً في العالم. وقالت: كان يتغيّر باستمرار بتغيّر النظام الدولي؛ ابتداءً بنظام الحرب الباردة مروراً بالأحادية القطبية، وصولاً إلى حالة الانحدار النسبي في القوة الأمريكية، فعندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق مطلع عام 2003، كانت إيران في وضع استراتيجي ضعيف وهشّ، وعندما انسحبت الولايات المتحدة أواخر عام 2011، تبين مدى التغير الاستراتيجي الذي طرأ على المنطقة؛ إذ امتدّ قوس النفوذ الإيراني من غرب أفغانستان إلى ساحل المتوسّط مع ظهور ما يشبه الإقرار الأمريكي والتسليم الإقليمي بأنّ إيران ربحت الجولة في العراق، بعد أن أوصلت حلفاءَها إلى السلطة فيه وحوّلته بذلك من خصم عنيد إلى تابع. وفي هذا السياق، لاحظت الورقة أن الربيع العربي مثل فرصة مهمة لإعادة التوازن، فتحوّلت سوريا إلى ساحة جديدة للمنافسة التي برزت فيها إيران لاعباً لافتاً بعد أن ظلّ العراق يستأثر بالقيام بهذا الدور، لكن الوجود العسكري الأمريكي ظلّ يحدّ من قدرة هؤلاء اللاعبين على ممارسة أدوار أكبر، ومع الانسحاب الأمريكي وفي إطار جهودها لتعزيز قبضتها في العراق بعد خروج الأمريكيين، وفي سياق الدفاع عن مواقعها التي بدأت تهتز في سوريا، ذهبت إيران وحلفاؤها في العراق إلى تبنّي سياسات تهميش وإقصاء مطلقة تجاه القوى والمكونات السنّية. وقالت في هذا السياق إنه تم استثمار بقايا تنظيم القاعدة التي هزمت من قبل الأمريكيين بمساعدة الصحوات في العراق بين عامي 2007 و2009، على نحو الاستقطاب الطائفي الناشئ عن السياسات الإيرانية التي دعمت ممارسات المالكي والأسد لإعادة تشكيل نفسها، فظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي بدأ يعرف اختصاراً باسم "داعش" في أبريل 2013، وبينما كان الكثير من الاهتمام ينصبّ على نشاط تنظيم الدولة في الصراع السوري، استيقظ العالم في العاشر من يونيو 2014 على وقع مفاجأة انهيار الجيش العراقي في محافظة نينوى وسقوط الموصل بيد التنظيم الذي أخذ يتوسع بسرعة في شمال العراق وغربه حتى تمكّن من السيطرة على مساحة تصل إلى نحو 200 ألف كيلومتر مربع في غرب العراق وشرق سوريا، بعد أن أعلن عن إنشاء دولة الخلافة وإلغاء الحدود بين البلدين، بحيث أربك هذا الصعود الحسابات السياسية لمختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية، ومثّل نجاحه تحدّياً لمنطق الدولة التي مازالت تعدّ نفسها الفاعل الأساسي في النظام الدولي، فتداعت لاحتوائه واستنفرت إيران لمواجهته واضطرّت الولايات المتحدة للعودة للتدخل العسكري المباشر في المشرق العربي، وذلك بعد أن أحجمت عن التورط المباشر في أزماته منذ إتمام سحب قواتها من العراق أواخر عام 2011، لكن الولايات المتحدة فضّلت أن تعود لتقود تحالفاً دولياً وعربياً لمواجهة تمدّد التنظيم واحتواء قوته المتنامية. وقالت: لقد تحوّل موضوع تنظيم الدولة إلى مسألة أمن قومي بالنسبة لواشنطن، ومسألة شخصية تهدّد إرث الرئيس الذي فاخر بتنفيذ وعده بإخراج بلاده من مستنقع العراق وكان يستعد لإخراجها من مستنقع أفغانستان عندما باغته تنظيم الدولة. وأبرزت الورقة حقيقة مؤداها أن النظام الإقليمي في المشرق العربي ظهر بفعل ديناميات خارجية قامت برسمه وظلّت الفاعل الأبرز فيه لنحو قرنٍ من الزمن، إلا أنّ تحوّلين رئيسين حصلا خلال العقد الأخير، تمثّل الأوّل في ميل القوى الإقليمية الأكثر تأثيراً ومنها تركيا وإيران للقيام بأدوار أكثر استقلالية نتيجة امتلاكها هامش حركة أوسع مع تراجع الأدوار الدولية. وعلى الرغم من عودة الفعالية إلى الدور الأمريكي نتيجة صعود تنظيم الدولة، إضافةً إلى تأثير أمريكا الذي ما زال كبيراً في أطراف النظام الإقليمي، فقد بات واضحاً محدودية قوّتها ومدى حاجتها إلى أكبر قدرٍ من التعاون الإقليمي لتحقيق أهدافها. التحوّل الثاني الكبير الذي طرأ على النظام الإقليمي بالمشرق العربي تمثل في أنّ الفاعلين الأساسيين فيه لعقود طويلة كانوا عرباً منهم العراق ومصر، وفي مرحلة لاحقة سوريا، تحوّلت لساحات صراع، وأصبح اللاعبون الأساسيون هم من غير العرب (إيران وتركيا)، وحصل هذان التحوّلان نتيجة مؤثّر خارجي هو الغزو الأمريكي للعراق، وما أعقبه من تداعيات؛ فخلال السنوات العشر الماضية قامت الولايات المتحدة بتدمير ميزان القوى الإقليمي الذي نشأ خلال فترة الحرب الباردة وأرسى حالةً من الاستقرار الذاتي.