لا يزال يستذكر كبار السن في بعض الدول الإسلامية والعربية (الحكواتي) وكتابه الذي يحمله للقهوة أو المكان الذي يجتمع فيه الناس، بعد صلاة المغرب، ليجد جميع الناس قد حضرت قبله يتساءلون عما سيخبرهم به الحكواتي في قصته اليوم. ومع انتقال (الحكواتي) إلى الحجاز أصبح كثير من الناس ينتظرون وقته ليجتمعون حوله وانتظار قصته لليوم. ومع تغير الحياة وأساليبها أصبح الحكواتي يظهر اسمه خلال شهر رمضان المبارك، فهو من يقوم بعمل توليفة معينة، تبدأ من الإعداد المسبق لقصته، ومقارنتها بمدى ملامستها لحياة الناس، من خلال متابعة التلفاز والراديو ليهيئ الناس لسماع حكايته. وبحسب المراجع التي تناولت شخصية الحكواتي، فقد أكدت جميعها أن الحكواتي شخصية واحدة جسدها كثيرون على مر عقود، وأن بلاد الشام، وتحديدا مدينة دمشق، كانت من أوائل البلاد التي عرفتها منذ مطلع القرن التاسع عشر، وجعلتها جزءا من تراثها الشعبي، ليرتبط اسم الحكواتي بأعرق المقاهي الدمشقية حتى وقتنا الحالي. والحكواتي مهنة كباقي المهن، التي طال التطور والتكنولوجيا منها. ويقول أحمد الصياد أشهر من يؤدي هذه الشخصية في محافظة جدة، إن الأساليب التي يبتكرها الحكواتي لا تمس مضمون الحكاية، فهي بطبيعة الحال تتحدث عن القيم والأخلاق وعادات البلد بقدر ما تكون في طريقة إلقاء الحكواتي للقصة، والمكان الذي يلقي فيه مثل المسرح، والأدوات المساعدة له مثل الموسيقى، البخور، المترجم، والهدايا المقدمة للجهور. ويوضح الصياد أن عمل الحكواتي قديما كان متواصلا على مدار العام دون انقطاع، في وقت محدد، وغالبا كان بعد صلاة المغرب، أي بعدما ينتهي الناس من أعمالهم، إلا أن خصوصية عمل الحكواتي في شهر رمضان تحديدا تعود لصبغة هذا الشهر الدينية وبساطته، إلى جانب أن رغبة الأسر استرجاع طقوس الأسرة القديمة، لا سيما أن سبعين في المائة من الحكايات التي يحكيها الحكواتية، تتناسب مع قيم الشهر الفضيل التي تتوافق مع القيم والتقاليد والتي بات يفتقدها الناس. ويضيف أحمد الصياد، أن الحكواتي يجب أن تكون لديه قدرة في التنقل بين فصول الحكاية، وتجسيد الشخصيات فيها، وتأثيره على الجمهور، وسرعة بديهته، التي تمكنه من إخراج الجمهور من المزاج الذي هم فيه، وقدرته على السيطرة على الوضع منذ الدقائق الأولى للجلسة، إلى جانب معرفته بميول ورغبة الناس مسبقا، وهي أبرز تلك المهارات. وأحمد الصياد له أكثر من 10 أعوام في العمل في هذه المهنة خلال شهر رمضان في الفنادق والمراكز التجارية، وأحيانا في المناسبات الاجتماعية، وهو يقوم بإعداد القصص طوال شهر شعبان، من أجل حكايات شهر رمضان وبرامجه، التي عادة ما تتكون من خمس فقرات في الليلة، بدءا من القصص، والأمثال الشعبية، والطرائف والنوادر، وانتهاء بالأحاجي والفوازير، بعكس الحكواتية قديما، الذين كانوا يرتجلون القصص. وللحكواتي أحمد الصياد جمهور يعشقه ويبحث عنه خلال شهر رمضان المبارك، لاسيما الذين يزورون جدة خلال الشهر الفضيل، فهناك كثير من الزوار من الدول العربية ومن تركيا والصين وإسبانيا وغيرها من الدول، فهو يقدم كل يوم مواقف طريفة وفقرات رائعة تحظى بإعجاب الحضور، خاصة وأن كثيرا من الفنادق والمراكز التجارية تقدم هدايا على مائدة الإفطار كنوع من التسويق. وانتقد أحمد الصياد الحكواتية الموجودين في الوقت الحالي لم يبق منهم سوى لبسهم، والعمة الحلبية التي يرتدونها، مؤكدا أن الأمر أصبح تجاريا، في ظل المنافسة التي باتت تشكل مفترقا بين من يجيد المهنة ومن هو دخيل عليها.