أبا تمام: لا تقرأ قصائدنا.. فكل قصورنا ورق.. وكل دموعنا حجر.. أبا تمام: إن الشعر في أعماقه سفر وإبحار إلى الآتي.. وكشف ليس ينتظر ولكنا.. جعلنا منه شيئا يشبه الزفة وإيقاعا نحاسيا، يدق كأنه القدر.. * أمير الحرف.. سامحنا فقد خنا جميعا مهنة الحرف وأرهقناه بالتشطير، والتربيع، والتخميس، والوصف أبا تمام.. إن النار تأكلنا وما زلنا نجادل بعضنا بعضا.. عن المصروف.. والممنوع من صرف.. وجيش الغاصب المحتل ممنوع من الصرف هذه أبيات من قصيدة للشاعر نزار قباني يعتذر فيها للشاعر أبي تمام ويربط فيها بين قضية الشعر وبين قضية الوطن، متخذا من شخصية أبي تمام الذي شهد انتصار المعتصم وعز الدولة الإسلامية رمزا ومعادلا فنيا لوضع معاصر مؤلم تجسد في هزيمة العرب أمام إسرائيل بعد النكسة. تذكرت هذه الأبيات لأن فيها ما يصف وضعا مازلنا نعيشه حيث نتلهى بأمور هامشية في وقت عسير، ونهتم بالشكل لا المضمون، وبينما تتقدم الأمم الأخرى وتنشغل بالعلم والإنتاج والاختراعات نتقهقر نحن أكثر وأكثر، فالعالم العربي يعيش خرابا ونحن مازلنا نعطي أحداثا وقضايا ليست بتلك الأهمية مساحة وحجما كبيرا في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنا من يترصد لأي رأي لا يوافق الهوى أو التوجه، ويهاجم كتبا ومقالات قبل أن يقرأها ويفهم مدلولاتها. لقد أصبح الحديث المستمر في مثل هذه الأمور عائقا أمام التصدي للقضايا الكبرى المصيرية وتشتيتا للانتباه والجهود التي يجب أن تنصب على سبل خروجنا من هذه المحن، بدل أن نجري مراجعة حقيقية لمواقفنا ونهجنا الفكري والاجتماعي ونسير في طريق الإصلاح والتغيير بجرأة وشجاعة، يتلقف بعضنا ما يقال هنا أو هناك، وينشغل الآخرون بأمور تافهة في فترة يعيش العالم العربي أسوأ مراحل الخراب والتمزق، فسياسة إسرائيل المتوحشة في الأراضي المحتلة وانتهاكاتها للقوانين لا تتوقف، والشعب السوري الذي تكالب عليه الأعداء يتفنن رئيسه في قتله وتشريده، والعراق يوشك أن يعيش حربا شاملة، والإرهاب يضرب في كل مكان باسم الدين، ومسلسل غرق اللاجئين ومشاهد الرعب التي يواجهها هؤلاء الفارون من هول المذابح مستمر، فوضى وصراعات في كل مكان، واستبداد وحروب ودمار، ونخب لا تنظر إلا إلى مصالحها، كل ذلك ولا نزال نخوض في موضوع حرمة الموسيقى من عدمها، وكأن الموسيقى سبب كوارثنا، شيخ أعطى رأيه فيها فلماذا كل هذا الاستنفار في الرد عليه والتعقيب على كلامه؟ لو كنا مشغولين بالعلم والعمل والإنتاج لما كان لدينا وقت نضيعه في المجادلات. ما لم نخرج من حالة التشرذم والتخبط الفكري، ونكف عن هذا الجدل العقيم فسنظل في مؤخرة الركب. siham.alsharekh@hotmail.com