اتصل بي قارئ كريم، صاحب خبرة عميقة في مجال عمله، إضافة إلى أنه يمتلك ذاكرة غنية، وهي ممتدة في الزمان والمكان والأشخاص، كان حديثه لطيفاً فيما يخص التعليق على مقال أمس، فهمت من خلال الحوار معه أن مضمون المقال حرضه باتجاه الاستمرار في الكتابة، وبما أن عنوانه كان إلى الشباب الذين يريدون أن يكتبوا فقد سأل بطريقة ظريفة: وماذا عن غير الشباب؟ هذا السؤال فتح أمامي نافذة أخرى فيما يخص الحديث في الكتابة وعن الكتابة، فنحن حين نفعل ما في وسعنا لنقل تجربتنا للشباب - وهذا حقهم على أية حال وخيارهم إن أرادوا الأخذ بها أو أعرضوا عنها - إنما نحاول أن نسلمهم بعض المفاتيح لا أكثر، الكتاب الكبار والعباقرة أمثال باراغاس يوسا وميلان كونديرا وغارسيا ماركيز وغيرهم ممن كتب في هذا الموضوع، كانوا يحاولون الشيء نفسه: تسليم مفاتيح الإبداع للشباب من أصحاب الرغبة والموهبة والرؤى الخلاقة المؤهلة لاستلام تلك المفاتيح ومواصلة الجهد لفتح المزيد من الأبواب! فيما يتعلق بالكتابة كموضوع، فإن هناك الكثير مما يمكن قوله، أما فيما يخص الأولويات والاهتمامات فهناك الكثير أيضاً، قلت في البداية إن القارئ الكريم يتمتع بذاكرة ممتدة وغنية بالتفاصيل والأحداث والتطورات، كما أنها ذاكرة تفصيلية دقيقة، فهو إذ يقص عليك أول رحلة قام بها إلى شيراز مثلاً، لا يكتفي بذكر الحدث وأسباب السفر وماذا رأى وبمن التقى، ولكنه رغم مرور سنوات طويلة جداً تقارب الـ40 عاماً لا يزال يتذكر تاريخ الرحلة ووقتها وطراز الطائرة ومن كان على متنها وفيم كان سفرهم إلى تلك البلاد، والمدة التي استغرقتها، وكم من المطارات حطت بها كمطارات ترانزيت وووو...الخ! هؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون هذا النوع من الذاكرة وقد منحتهم الحياة فرصة السفر والتنقل وخوض غمار تجارب حقيقية وغنية ومختلفة في زمن الندرة والكفاف وقلة الأسفار ومحدودية التجارب الواسعة، هؤلاء - كمحدثي الكريم - عليهم وسريعاً جداً ودون أي تأخير أن يبادروا بالكتابة وتسجيل الذاكرة، فهي ليست ذاكرة خاصة، أي ليست ملكية حصرية، طالما أنها تسجل حالة التحولات التي شهدتها الإمارات والمنطقة، وطالما أنها ترصد عبر تجربة شخصية الأفق العام الذي كان يتحرك فيه الإنسان في منطقة الخليج والإمارات تحديداً، وهو يبني ويراكم معارفه وخبراته وتطور تجربته وحياته، هذه ذاكرة يجب أن تكتب فوراً، هذا ما قلته لمحدثي عبر الهاتف، فهذا النوع المختلف من الكتاب يمتلك كل مقومات الكتابة الضرورية، وعليه فهو لا يحتاج إلا للإرادة والشغف بما يفعل.