تحت عنوان «جسد النحت» افتتح بينالي النحت الوحيد في فرنسا في مدينة إيريس القريبة من العاصمة. تأسس منذ عام ٢٠٠٧، نشهد اليوم دورته الرابعة، وهو مستمر خلال حزيران (يونيو). لكن «السومبوزيوم» المكمل له سيستمر بعد ذلك، تقام على هامشه مسابقة لعروض أداءات «البروفورمانس» الحي بحضور الجمهور. توزعته تماثيل ثلاثين فناناً (بعضهم من الرواد). وذلك على مساحة رحبة من الساحة التابعة لمنزل ومحترف ومتحف الانطباعي الكبير جوزيف كيلوبوت (من مواليد المدينة عام ١٨٧٨)، كان معلماً معروفاً ومتخصصاً بتصوير نهر المدينة، بمراكبه وسابحيه ومتنزهيه، ورث ثروة لا يستهان بها عن عائلته، مما مكنه من دعم الارتباك المادي لزملاء انطباعيين كانوا يفدون إليه ويجتمعون في إيريس من كل صوب ليصوروا بصيغة جماعية مناظرها الساحرة حول نهرها الخافق دوماً. لذلك تعتبر إيريس العاصمة الثانية للانطباعيين بعد باريس. لا شك في أن أحد أسباب نجاح البينالي (على اختصاصه العمودي) يرجع إلى شخصية وطموح مختار المنطقة نيكولا دوبون إينيان (مرشح بارز لرئاسة الجمهورية للعام المقبل)، وكذلك قوة شخصية أبرز المؤسسين وهو النحات المنمالي المعروف كارل أندريا، ونص افتتاح البينالي حفظ مأثورته: «كل منحوتة عادة كانت تعني موت أحد الأحياء وإذ بها تفتح حياة فنية جديدة مستقلة تعتمد على ثلاثية الأبعاد في كتلتها المتكورة عضوياً». لا توجد بين أعمال البينالي سوى عمل انطباعي واحد هو رودان، مع تلميذته (ونموذجه) كامي كلوديل، هو ما يفسر اعتماد محور فضفاض لاحقاً يجمع أغلب نحاتي تاريخ الفن عبر العلاقة بين الجسد الإنساني وفن النحت. يشكل بعض الرواد المعلمين في المجموعة علامات فارقة في حداثة النحت الفرنسي ما بين بورديل ورودان. يبدأ العرض بأكبرهم وأشهرهم أنطوان بورديل (١٨٦١ - ١٩٢٩)، مع نموذجه الرومانسي الأول: الشهيد أو المحارب الذي قضى في حرب ١٨٧٠. ورغم أنه عمل مع رودان ولكنه ظل مخلصاً مثل دولاكروا للرومانسية بينما أسس رودان للحداثة في النحت من طريق اللصق والصب وجمع الشظايا الآدمية المبعثرة. (وجدناها في محترف مودون) ولكن توفي عام ١٩١٧ قبل أستاذه بورديل الذي استمر في تعليم الرواد مثل جياكوميتي وريختر المشارك نحتهما في المعرض. ألبرتو جياكوميتي سويسري فرنسي (١٩٠١ - ١٩٦٦) ولد وتوفي في سويسرا ولكنه عاش سنوات ما بينهما في باريس الوجودية. وافق جان بول سارتر، بالنسبة إلى نحته: العدم أهم من البقاء والفراغ أهم من الامتلاء، يعمر التمثال بالسلبي والإيجابي: أشكاله نحيلة تقع بين كتلتين وهميتين، كان لتمثال غوديا الرافدي (المصنوع من الديوريت) تأثير كبير (متعدد النسخ في متحف اللوفر) ثم الأقنعة الأفريقية. من القدامى أيضاً زادكين (١٨٩٠ ـ ١٩٦٧) الروسي الأصل (مع تمثال أورفي البرونزي الشهير المستقى من الأساطير اليونانية والمتخم بالألغاز الرمزية). في حين أن الروماني برانكوسي (١٨٧٦ ـ ١٩٥٧) يعتبر مخترع النحت الحديث بطريقة تعامله مع الجاذبية الأرضية وعكسها، بخاصة بعد إلغاء تقاليد القاعدة. ثم هناك ممثل الفن البكر وهو جان دوبوفي (١٩٠١ ـ ١٩٨٥) مع عرض نماذج أعماله الجصية الأخيرة ذات الحجيرات واللونين الأزرق والأحمر على الأبيض، شظايا خلوية همجية ملتصقة بطريقة هشة قابلة للتفكك والاندثار. أحد المعلمين من تلاميذ بورديل وهو آلان سيشاس (١٩٥٥) أعاد تدمير تمثال لبورديل حوّل السانتور وسماه «سانتور يموت» وهو يتساقط على الأرض بجسده الحصان. وكذلك تلميذه جرمين ريختر (١٩٠٢ ـ ١٩٥٩) الذي يُعرض تمثاله البرونزي المعروف: «الحشرة العملاقة». بقي من المشهورين الألمان ماركوس ليبيرتز (١٩٤١) توأم جورج بازلتز في تدميره للجسد الخشبي البكر، ثم إعادة صبه بالبرونز، والأميركي آلان كيريلي (مواليد ١٩٤٦ يعمل في نيويورك وباريس)، عرض: متتالية موسيقية معدنية ذات تحولات لمفرده واحدة مبعثرة على الأرض في شظايا بالغة التأثير. وأثار الانتباه باسكال كونفير (من مواليد ١٩٥٧) بمواده الكريستالية والزجاجية الأصلية في تأثيرها البصري والتخيلي. تملك الاسبانية جوم بلانزا حضوراً كثيفاً بتمثالها العملاق لرأس فتاة رمادية إيزابيلا، منجز من المعدن العام الفائت. أما مفاجأة البينالي فكانت تمثال ملصقات آدمية مضرّجة بالدماء من الأقمشة الملصقة بالغراء، لفنانة تخرج من رحم المحنة السورية وهي نور أصاليا من مواليد ١٩٨٤ في سورية، وهي تقيم محترفها الكابوسي في قوة تراجيديته وأسى تعبيريته في منفاها الباريسي. قد تكون أصغر العارضين في العمر وقد تكون أشدهم احتداماً وصراخاً اعتراضياً.