بغرض المصارحة والمكاشفة أطرح هذا السؤال: لماذا لا نراجع أنفسنا نحن كعرب؟ ونتساءل عن أسباب غياب موقف عربي موحد وشامل في كل ما يحيط بالأمة العربية من تحديات وأخطار تحدق بها، وهل هناك ظرف تعيشه الأمة أخطر من هذا الظرف؟ إنه ظرف نكون فيه أو لا نكون؛ حيث إن العرب أصبحوا على مفترق طرق يتحدد من خلاله مستقبل الأمة. وأوضح مثالين عن غياب موقف عربي موحد وقوي هو ما يجري في سوريا والعراق؛ حيث يعاني العراق - منذ 2003، إبان الاحتلال الأميركي ولحد هذه اللحظة - انعدام الأمن وكثرة حالات القتل والخطف والتفجيرات والسرقات وضياع أرضه وثرواته بيد الدول المحتلة، ومنها إيران وأميركا وباقي الدول المشاركة معها؛ الأمر الذي أدى إلى الضياع. وما يجري في الفلوجة الآن من تطهير عرقي للعرب السنة، وتهجير لهم، وقتل وتنكل بأهلها من قبل ميليشيات الحشد الشعبي إلا أحد أسباب غياب موقف عربي موحد. وكذلك ما الذي يحدث في سوريا إلا نموذج آخر، يجسد لنا غياب هذا الدور العربي، خاصة أن الوضع السياسي والعسكري الحالي يدفع بسوريا إلى المجهول. يقول الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي: «إن غياب الوجود العربي في سوريا، مع بروز الوجود الروسي والأميركي وتدخل إيران، سببه وجود أجندة خاصة لكل دولة عربية، مما أضعف الموقف العربي». إلى متى نحن كعرب نكون في موقف لا يرتقي إلى مستوى التحديات التي تحيط بالأمة؟ وليس هناك سوى جهود يقوم بها البعض من الدول العربية لزحزحة المشاكل العربية، مثل الجهود العظيمة التي تقوم بها السعودية لمحاولة إيجاد موقف موحد، الذي تمثل بقيادتها للتحالف العربي والقيام بعاصفة الحزم، التي بددت أحلام الحوثيين ومن يقف وراءهم، وأجبرهم على الجلوس على طاولة المفاوضات. هذا يعطينا درسا على أن العرب متى أرادوا أن يكونوا في موقف قوة تمكنوا من ذلك. يكاد الإنسان العربي أن يفقد الثقة عندما ينظر إلى الأزمات التي تعصف بكثير من بلداننا، لا نقول ذلك لكي نحبط من عزيمتنا، ولكن هذا واقع. لقد سقطت كل الأقنعة عن الذين يريدون للأمة أن تبقى ضعيفة، وظهرت أطماعهم التوسعية، مثل إيران وروسيا وأميركا، في الوقت الذي تمتلك الأمة فيه كل مقومات القوة والنصر، وأصبحت إيران ممثلة في قاسم سليماني تصول وتجول في العراق وسوريا من دون رادع، وصدق فيهم قول الشاعر العربي: يا لك من قنبَرَةٍ بمَعْمَرِ... خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أن تُنَقِّرِي... قَدْ رَحَلَ الصيادُ عنك فابْشِرِي ومن النتائج الخطيرة لغياب الدور العربي أن أصبحت هناك حالة تراجع غير مسبوقة من جهة الاهتمام العربي بتطورات القضية الفلسطينية؛ نظرا إلى الانشغال بالقضايا الساخنة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، في الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيون ثلاثة تحديات استراتيجية غاية في الخطورة، فمن جهة لم تحقق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية شيئا، ومن جهة أخرى تحكم إسرائيل حكومة يمينية متطرفة، ومن جهة ثالثة بدأت تطفو على السطح مشروعات (حتى إن بدت خجولة) تتعلق بتطورات ما بعد الانقسام؛ حيث يدور الحديث عن مشروع دولة غزة، ومشروع آخر للتقاسم الوظيفي في الضفة الغربية، مع ترتيبات لا تسمح بإمكانية إنشاء الدولة الفلسطينية كرؤية أخيرة للنضال الوطني الفلسطيني على مدى قرن من الزمان، وبالتالي أصبح حل الدولتين في خبر كان، وبعد كل هذا وقبله ما يزال الحال في قطاع غزة يتردى بشكل متسارع، في ظل حصار مطبق وإغلاق مستمر لمعبر رفح، وتزايد معدلات الفقر إلى جانب نسبة غير مسبوقة في أعداد العاطلين عن العمل، وتلكؤ إسرائيل في ملفات إعادة إعمار غزة وملف المفاوضات التي رعتها مصر قبل وقف إطلاق النار الأخير بعد عدوان تموز 2014 على غزة، كل هذه المتغيرات والمشكلات تتطلب من العرب وقفة جادة تجاه إسرائيل، لإيجاد حل شامل لهذه القضية المزمنة. العرب لديهم مصادر قوة كثيرة، فلديهم الثروات والموارد البشرية والقوة العسكرية، والتاريخ لن يرحمنا إذا ما تمزقت الأمة أكثر مما هي فيه من تمزق، لا بد من وضع حدّ لكل هذا، وآن الوقت لإجماع عربي شامل وصلب يضع أمتنا في حجمها الذي تستحقه عن جدارة أمام العالم، من أجل مستقبل عربي مشرق، وهو فقط ينتظر الإرادة والعزم والحزم ليس إلا!