×
محافظة المنطقة الشرقية

«يا حسافة»... على ممتلكات الكويتيين في العراق! - عقار

صورة الخبر

يقول الشاعر إبراهيم زولي معرفاً عن نفسه: «كنت وحدي، كما فارس من جنوب الجزيرة، تأخذه من يديه النهارات، أحني لقلبي المسافات، أركض في الطرقات إليك، أنا قادم كالثياب الجديدة في ليلة العيد، آتيك لا أعلم الخطوة المقبلة». إبراهيم حسين زولي شاعر سعودي، ولد عام 1388 هـ (1968) في محافظة ضمد التابعة لمنطقة جازان جنوب السعودية، تخرج زولي في المعهد العلمي في ضمد، ثم نال درجة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة أم القرى في مكة المكرمة. وشارك زولي في العديد من الأمسيات الشعرية، ونشر العديد من القصائد والدواوين الشعرية. في حواره مع «الحياة» تحدث عن عدد من هموم الكتابة والحالة الثقافية المحلية.. > كيف ترى واقع الأندية الأدبية السعودية وأثرها في دعم حراك المجتمع الثقافي، في ظل حديث عن كونها تقليدية ولا تناسب الجيل المعاصر؟ - أربعون عاماً مضتْ على بداية إنشاء الأندية الأدبية في المملكة، ولا تزال هذه المؤسسات حبلى بالإشكاليات والانقسامات على رغم الدعم المادي الهائل الذي يقدم لها، دعم لم تتم الاستفادة منه في خلق حراك ثقافي يقدم صورة مثلى عن الثقافة في المملكة. عشرة ملايين ريال من الراحل الملك عبدالله، ومثلها إبان تقلّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم، ناهيك عن موازنة سنوية تصل إلى مليون ريال، كل هذه الأموال الطائلة يمكن لها أن ترعى مهرجانات ضخمة وتقدم إصدارات نوعية ومجلات ثقافية نباهي بها أشقاءنا في الدول الأخرى، غير أن الحال لا يبهج، وما يؤسف له، أن ليس هناك رقابة صارمة من وزارة الثقافة والإعلام على هذا الهدر المالي الذي لا ينتج شيئاً ذا بال، إذ تجد بعض الأندية ليس في برنامجها السنوي غير أمسية أو أمسيتين معظم ضيوفها من داخل المنطقة، وبعض إصدارات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. هناك دول أقل دخلاً منا وتصرف على مراكزها الثقافية موازنة لا تساوي عُشر ما ننفقه، بيد أن ما ينجزونه يتجاوزنا بكثير جداً. لا شك في أن هناك أزمة، وأزمة مستعصية، وهناك بالتأكيد خلل يكمن في مكان ما. > وأنت العارف بالحالة الشعرية والعربية.. هل تتوسم بعض أسماء ستنافس على رايات الشعر وتحيي دوره؟ - الشعر ليس بطولة ولا مضماراً يمكن التنافس على ريادته والظفر برايته. دور الشعر انحسر كثيراً وتضاءل في ظل تحولات هائلة، ولم يعد للشاعر ذلك الدور الاجتماعي والتوعوي الذي كان ينهض به قبل سنين طوال. تخلّى الشاعر عن تلك المهنة أو هي تخلتْ عنه بتوصيف أدقّ، وذهب ذلك الدور التاريخي إلى أقنية معرفية وإعلامية أخرى. في هذا الزمن الإلكتروني انكفأ الشاعر على ذاته وبات يهش أحلامه بعصا الكلمات وحيداً في برّية القصيدة. > في مواجهة المتغيرات الطارئة ومزاج العصر المتسارع هل سيتماسك الأدب الجاد بقوانينه الصارمة وحضوره العتيق؟ - سقطت قبل عقود عدة مسميات الأدب الجاد أو الملتزم، وتنحّى الإبداع في معظم تجلياته عن أيديولوجياته التي كانت تستعبده، وتملي عليه شروطاً ملوثة عن ماهية ما يكتب وما عليه أن يبوح به. وكل الشعراء الذين راهنوا على قضايا بعينها في قصائدهم، ماتت قصائدهم بعد غياب قضيتهم، غيابها لسبب أو لآخر، واكتشف أغلب المبدعين أن الكتابة عن الذات والإنسان هي التي تخلد، وما سواها يذهب كما يذهب الزبد. > هل تؤمن بفكرة «الأدب الجديد» ذلك الذي يكتفي بقصيدة البيت الواحد أو القصة القصيرة جداً كما في «تويتر»؟ - أتفق معك أن هناك أدباً جديداً في السرد والقصيدة، غير أن المثال بـ«تويتر» ليس دقيقاً تماماً، وإن كانت هناك تغريدات قوية ومتماسكة وتنحو نحو فن الشذرة في اختزالها المعنى واختصارها كثيراً من حشو الكلام. والشذرات فن أدبي لا يمكن القفز عليه، لها حضور باذخ في تراثنا العربي، ومن نماذجه العليا في الأدب العالمي: نيتشه، وإميل سيوران في مثل «المياه كلها بلون الغرق»، وفي عمل مهم مثل «يوميات بودلير» > يواجه الشعر الفصيح خصومة في شعبيته أمام منافسه النبطي، هل هي نخبوية الشعر الفصيح، أم استعداد الجمهور ووعيه؟ - لا يمكن للشعر الفصيح أن يقف في خصومة متكافئة مع الشعر النبطي. تاريخ الشعر الفصيح ضارب بجذوره في تراثنا الذي يمتدّ لمئات السنين، ما يمكّنه من الصمود طويلاً أمام العواصف. لا شك، للشعر الشعبي أدواته وجماهيريته وسلطته المالية، الشرسة أحياناً، غير أنها أسلحة آنية ومرحلية، ولا يمكن لها أن تدوم ديمومة الشعر الفصيح المتجذّر في الزمان والمكان. > أنت مقلٌّ في استصدار الدواوين، وفي تاريخك الشعري الطويل لديك غيابات تمتد لثماني سنوات أحياناً.. هل تحتاج كتابة الشعر هذا النفس الطويل من التمعن والانقطاع، أم هي طقس شخصي يؤثر فيه التدفق الشخصي والموفور الشعري؟ - أجل، غبت ثماني سنوات عن الكتابة لظروف شخصية بحتة وفواجع حياتية، ليس المجال لسردها الآن، ولست ممن يمتهنون المتاجرة بآلامهم. وأخرى، لظروف عامة كانت تخيّم على المشهد الثقافي برمّته، صمتَ خلالها أغلب مثقفينا عن الكتابة أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، إذ لم يكن هناك مناخ ثقافي كالذي تعيشه الساحة هذه الأيام. تلك حقبة نحن في حاجة ماسة لدرس أسبابها وسياقاتها. ولك أن تتخيل أن كتاباً مثل «الحداثة في ميزان الإسلام» لم يستطع أحد من كتابنا الرد عليه في الصحف والمجلات المحلية، ما اضطر البعض لنشر ردودهم عليه خارج الحدود. هذا مشهد وحيد من بانوراما كبيرة كانت سائدة آنذاك. > هل تتنازع قلم الأديب الكتابة اليومية في الهموم العامة - مثل الأعمدة الصحافية للأدباء - وتلك الكتابة الأدبية المتمهلة، في ظل أحداث المنطقة الملتهبة؟ - الكتابة اليومية محرقة للمبدع، سواء أكان شاعراً أم سارداً، وتعمل على تفريغ الكثير من تأملاته الجمالية وشحناته العاطفية، وهو ما نشاهده عند أغلب مبدعينا الذين اتجهوا إلى كتابة مقالات شبه يومية، عن شؤون التعليم وقضايا الصحة والنقل العام ومطبّات الطرق وغلاء المهور. > يقال إن فترة الحداثة كانت مخاضاً في أشكال القصيدة لا مضامينها، بدليل أنها رحلت مثل زوبعة من دون أن تترك أثراً حقيقياً في حقيقة الأدب؟ - مرحلة صعود الحداثة في تقديري تمثل منعطفاً مفصلياً في تاريخ الأدب السعودي بخطابها المتنور، وتبشيرها بلغة مغايرة للمألوف. واستطاعت أن تنجب أجيالاً جديدة تتعاطى مع الكتابة بطريقة مختلفة، من دون أن تنبتّ عن جذورها. وقد أوافقك الرأي، أنها كانت تنزع لشكل جديد، بيد أن الشكل لا يمكن فصله بحال من الأحوال عن المضمون. وأزعم أن كل نص جديد يؤاخيه مضمون جديد بشكل أو بآخر. > موجة الصحوة قدمت جمهوراً وأعطت الحالة الثقافية شعبية لم تكن ستحصل عليها لولا الصحوة، ماذا أودعت وأخذت الصحوة من واقع الحراك الثقافي في السعودية؟ - الصحوة - مع تحفظي الكبير على هذا المصطلح الذي يتهم في مضمونه الآخرين بالغفلة - هذا المدّ الجهادي لم يكن بريئاً، وكان يكرس الكثير من المفاهيم الحركية والتكفيرية في خطاباته، ويصف ما عداه بالزندقة والخيانة والكفر في بعض الأحيان، فإنْ لم تكن صدى لأصواتهم، فأنت مارق وخارج عن الملة. وروّجوا آنذاك لما يسمّى «الأدب الإسلامي»، وكأنهم بذلك يقسّمون الأدب إلى «يهودي» وآخر «مسيحي» وكان كل نصّ يخرج عن تصوراتهم، ولا يتخذ من بحور الخليل قاعدة، فهو في عرفهم مريب ودخيل. هذه النماذج الراديكالية كانت تتخذ من التراث والدفاع عنه ذريعة لنواياها، حتى تجلت الحقيقة فكفّرتْ حينذاك بعض أبناء الوطن الشرفاء واتهمتهم في أكثر أشيائهم حميمية. ولا شك في أنها تكشفتْ فيما بعد، ليظهر من سلاتها جيل ثانٍ، ضالّ، كفّر المجتمع ومارس إزاءه كل قبح بيّن، حتى وصل ببعض فئاتهم أن مارست أعتى أنواع الإرهاب تجاه البلد ومدخراته، في الوقت الذي لا تجد فيه أحداً من أبناء التجربة الجديدة ناصب الوطن والمواطن العداء. > في «جدلية جنوب العالم وشماله» هل تصدُق أن المال والسلطة للشمال والإبداع والوجع للجنوب؟ - الجنوب طعنة مضيئة في الظهر تفتح عين المبدع على مساحات العطش وعلى بيوت تشبه الأصدقاء، بيوت عزلاء إلّا من مزامير المسرة. الشمال في كل جهات الدنيا؛ نموذج عالٍ من التبختر والأبهة، والغطرسة في بعض الأوقات. لا أودّ أن أتهم الشمال بالاستئثار بكل شيء، بدءاً من تدوين اللغة، وليس انتهاء بالبوصلة التي تحالفت معه في انحياز سافر. > قلت مرة إن «علاقة الشاعر بالمكان ذات نسب عميق»، هل يعني أن «التهامي» يجب أن ينشغل بهموم التنمية وأوليات المواطن البسيط كمتطلب أكثر إلحاحاً لمواطنه؟ - ثمة علاقة أزلية بين الشاعر والمكان، علاقة ذات نسب عريق. والذي لا يمكن له أن يغرس قدميه في طين الأرض هيهات أن تكون لنصه رائحة وملامح، ولا لعالمه وجود على الخريطة. الشاعر الذي ليس له انتماء، أياً كان انتماؤه، يظل ريشة تتقاذفها الريح، وقصيدته غريبة الوجه واليد واللسان. > كانت بداياتك مرتبطة بالقاهرة يوم كانت عاصمة الثقافة العربية، اليوم في ظل وَهَن القاهرة بعد صخب السنوات الخمس ومغادرة بيروت ودمشق وبغداد من قوائم الاستقرار والازدهار، هل يشعر المثقفون العرب باليتم؟ - أتفق معك أن هذه المدن تآكل دورها التاريخي في تصدير المعرفة لبقية العالم العربي، لأسباب عدة، سياسية واجتماعية، غير أن الأهم في اعتقادي؛ هو أن ثنائية المركز والأطراف لم تعد ذات وجود بمعناها التقليدي، بسبب العالم الرقمي وتقنية المعلومات التي هدمت هذا الصنم من الثنائية البغيضة، ثنائية عاشت ردحاً من الزمن تستعبد الشعوب، وتصنفهم إلى فسطاطين: أسياد وعبيد، ومتعلمين وجهلة، هذا الطوفان من التكنولوجيا الرقمية واقتصاد المعرفة وهيمنة وسائل التواصل، أعاد للإنسان اعتباره، وبالتالي غدتْ كل الرؤوس سواء. > معرض الرياض الدولي للكتاب ومعرض جدة للكتاب، هل من كلمة في جدوى هذه الفعاليات؟ - معرض الرياض منذ انطلاقته في العام 2006 وهو يشكل حالة ثقافية بامتياز. وما كان يذهب إليه السعوديون خارج بلادهم لاقتنائه من أحدث الإصدارات بات متوافراً خلال شهر مارس من كل سنة، وهو بلا شك يمثل عرساً للمثقف السعودي الذي يلتقي بأقرانه من كل جهات الوطن في العاصمة الرياض. وباعتراف الناشرين العرب، أضحى معرض الرياض سوقاً مهمة لكتبهم، وقوة شرائية لا يمكن تجاهلها، باعتراف الأرقام الفلكية التي تحصدها تلك الدور، وما زاد الأمر فرحاً وسروراً أن تم تدشين معرض جدة الدولي للكتاب برعاية خادم الحرمين الشريفين، وإشراف مباشر من الأمير خالد الفيصل، كل هذا وذاك يؤكد للعالم أن في وطننا قرّاء ومواطنين شغوفين بالمعرفة في شتى فروعها. > هل تعتقد أن الخليج أمامه فرصة تاريخية لرعاية الحالة الثقافية العربية كما يحدث مع القرار السياسي العربي هذه الأيام؟ - الخليج ليس بئراً من النفط، أو صحراء قاحلة كما كان يدلّس بعض المثقفين العرب، والذين لم يتجاوزوا حتى اللحظة، باستثناءات قليلة، نظرتهم الاستعلائية والاستشراقية، حتى مع وجود هذا الحراك الثقافي من مبدعين وإصدارات ومجلات باتت تستكتب أكثر كتاب العالم، وتدعوهم للوقوف على ما ينعم به مشهدهم الأدبي من ازدهار ونموّ، يكبر يوماً بعد يوم. وما يدهش أن أكثر كتّاب اليسار في العالم العربي والذين كانوا يصنفون منطقتنا بـ «البترو إسلام» تحوّلوا إلى أصحاب أعمدة وزوايا في صحفنا ومجلاتنا الخليجية، والمتابع للشأن الثقافي يلحظ ذلك بيسر وسهولة، علاوة على أنك تجد ضمن كتّاب مطبوعاتنا، كلّ مثقفي العالم العربي باختلاف أطيافهم ومكوناتهم الفكرية، فيما لو ذهبت إلى قراءة صحفهم ومجلاتهم لن تجد كاتباً خليجياً واحداً إلا في أضيق الحالات. ولا نزال نمدّ يد الأخوة والألفة لكل العالم، ولن نردّ السيئة إلا بالحب والحسنات.