يقال إن المبدع يناقش الأفكار، والمتوسط يناقش الأحداث، والفاشل يناقش الأشخاص. الآن تجاوز الأمر نقاش الأشخاص إلى تسفيههم وشتمهم والقدح فيهم وتجريحهم لمجرد أنهم طرحوا أفكارا ووجهات نظر عجز البعض عن فهمها كما يجب أو أنها تخالف أفكارهم وقناعاتهم التي لا تريد أن تتزحزح عن موقعها وموقفها، ولا تؤمن بمقولة رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، أو أن الحكمة ضالة المؤمن، ولا تعترف بفضيلة الحوار الهادف الذي يقارع الحجة بالحجة مع الالتزام بأدب الحوار واحترام أطرافه مهما بلغ الخلاف معهم. في رمضان الذي تكثر فيه برامج الفضائيات المختلفة يرتفع صوت الجدل حول بعضها، خصوصا التي تتعلق بمسائل دينية وقضايا فقهية اختلفت فيها الآراء، ومن هذه البرامج برنامج «صحوة» الذي يقدمه هذا العام الدكتور أحمد العرفج مع المفكر الإسلامي عدنان إبراهيم، امتدادا للإعلامي المتميز الراحل سعود الدوسري رحمه الله، وشارك في إعداده الكاتبان حسن الحارثي رحمه الله الذي غادر الدنيا أول أيام رمضان وطراد الأسمري، ولا يفوتنا هنا التنويه عن الإساءة القبيحة التي طالت شخص حسن الحارثي كجزء من حزمة الاعتراض على البرنامج وهو بين يدي خالقه، دون اعتبار لحرمة الموت أو موجبات الأخلاق والمروءة. القضية هنا ليست تقييم مهارة وكفاءة مقدم البرنامج أو شخصية ضيفه لأن ذلك ليس مهما، المهم هو تقييم الأفكار التي يطرحها البرنامج بأسلوب موضوعي يستند إلى الحوار الهادئ المحترم ومحاججة الفكرة بالفكرة ومطارحة الحجة بالحجة للوصول إلى الحقيقة التي تفيد الناس، ولكن للأسف ذلك ما لم يحدث، فما إن عرضت ثلاث أو أربع حلقات منه حتى بادر بعض المختلفين معه إلى الاعتراض بشكل عنيف، ليس على رأي معين أو فكرة محددة تجاه موضوع أو قضية مطروحة للنقاش، وإنما على شخص ضيف البرنامج وكل من شارك فيه، اعتراض وصل إلى التجريح الشخصي والتمادي بمنح النفس حق تحريم مشاهدة البرنامج، هكذا وبكل بساطة. البرنامج يحاول تفكيك بعض الآراء النمطية المتشددة حيال قضايا كثيرة، ويهدف إلى طرح الرأي الآخر من واقع قراءة مختلفة وتفسير مختلف، ويتحدث بلغة العصر ومقتضياته في أساليب إيصال الفكرة والرأي من غير إلزام لأحد على الأخذ بها، فلم لا يجادله المختلفون معه بالحسنى والعلم والمنطق والحجة، بدلا من التشنج واستخدام ألفاظ لا تليق بالمسلم في أي وقت فما بالكم في هذا الشهر الكريم. يقول المثل: الضجيج لا تحدثه إلا الآنية الفارغة، وبالتالي فإن الصراخ والتشنج مؤشر على افتقاد العلم والحجة، وخوف من صحوة حقيقية تفند صحوة وهمية سابقة.