×
محافظة المنطقة الشرقية

الدخيل: متفائل بتلاشي سلبيات الإعلام الجديد مع تطور وعي المجتمع

صورة الخبر

من المشاهد السردية التي لا تُنسى في الرواية الخالدة (زوربا) المشهد الذي يحكي فيه البطل (زوربا) عن الإجراء الذي يلجأ إليه للتخلص من حالة الاشتهاء أو الرغبة الدائمة التي تتملكه تجاه الأشياء التي يُحبها، ويتحدث زوربا عن ذلك الإجراء مُخاطباً رئيسه: "عندما أرغب في شيء ما أتعرف ماذا أفعل؟ إنني آكل منه حتى التقزز كي أتخلص منه ولا أفكر فيه مطلقاً"، ثم يورد تفاصيل توضح كيفية فعل هذا الأمر قائلاً: "عندما كنت طفلاً، كنت مجنوناً بالكرز، لم يكن لدي مال كثير، لهذا كنت لا أشتري كثيراً منه دفعة واحدة، وبعد أن آكل ما أشتريه تظل بي شهوة إلى المزيد منه، كنت لا أفكر ليل نهار إلا بالكرز، لكنني ذات يوم غضبت بشدة، أو بالأحرى خجلت، لقد أحسست بأن الكرز يفعل بي ما يشاء، فما الذي فعلت؟ (....) اشتريت سلة من الكرز، وجلست في حفرة، وأخذت بالأكل، وأكلت وأكلت حتى انتفخت بطني. وبعد فترة أخذت بطني توجعني وتقيأت وتقيأت، ومنذ ذلك الحين انتهت قصة الكرز"..! حادثة انتهاء علاقة زوربا مع الكرز يبدأ حضورها في ذهني دائماً كلما استمعت إلى شخص يُكرر الشكوى من افتقاد الشعر لطعمه وتراجع مستواه في هذه الأيام، وسبب حضور تلك الحادثة هو اعتقادي بأن مشكلتنا اليوم لا تتعلق بتراجع مستوى الشعر أو مستوى الشعراء بقدر ما تتعلق بطريقتنا الخاطئة في تلقي الشعر. فهناك عدد غير قليل من الأشخاص الذين نتج عن تعاطيهم الشعر بإسراف وكوجبة يومية دسمة - تأتيهم من خلال قنوات الشعر والصحف والمجلات - تشبُع تام ورغبة لا إرادية في قطع علاقتهم بالشعر كما هو الحال مع زوربا حين قام بإرادته بالتشبع من الكرز وإنهاء علاقة الاشتهاء معه. أعتقد أن سيل القصائد اليومية جرف معه اللذة التي كان المُتذوق يشعر بها حين كانت وسائل الإعلام لا تنقل سوى القليل من القصائد، وحين كان الواحد منّا ينتظر شهراً كاملاً ليستمتع بقراءة قصيدة لأحد الشعراء المبدعين، ولكي تعود لنا الرغبة في الاستماع للشعر والإحساس بتأثيره في نفوسنا ينبغي علينا التعاطي معه بشكل متوازن وعدم الإسراف في كتابته أو قراءته وسماعه، فمعظم الممارسات الممتعة والأشياء الجميلة تفقد كثيراً من متعتها وجمالها ولذتها بفعل التكرار والتعود. أخيراً يقول رشيد الدهام: يا أنعم وأطعم ملذات الحياه عيّت ليالي عاشقك ما طاعته حفظت سرّك مثل حفظي للصلاه ولو ذابت ضلوع الصدر ما باعته