أدى القصف الجوي الكثيف الذي تنفذه قوات النظام السوري على مدينة داريا المحاصرة في ريف دمشق إلى عرقلة استكمال عملية توزيع المساعدات الغذائية التي دخلت ليلا للمرة الأولى إلى المدينة منذ عام 2012، وفق ما أكد ناشطون و«المرصد السوري لحقوق الإنسان». ومن جهة ثانية، ما زالت الأمم المتحدة تنتظر موافقة النظام لإدخال المساعدات إلى منطقتين محاصرتين، وفق ما أعلن المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف. وأوضح المتحدث ينس لايركي لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الأمم المتحدة قادرة على تسليم المساعدات إلى 17 منطقة من أصل 19 محاصرة»، من بين المناطق السبع عشرة: «هناك منطقتان لم نحصل على موافقة خطية بشأنهما من الحكومة، هما حي الوعر في حمص والزبداني في ريف دمشق». مع العلم أن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا كان قد أكد الخميس أن الحكومة السورية أعطت الموافقات اللازمة لنقل المساعدات إلى جميع المدن والمناطق المحاصرة في البلد. الأمم المتحدة أحصت نحو 593000 شخص يقيمون في 19 منطقة محاصرة، وطلبت موافقة دمشق لتسليم المساعدات إلى 17 منها، مستثنية دير الزور التي يحاصرها تنظيم داعش، حيث تلقي منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) المساعدات من الجو بموافقة دمشق، ومخيم اليرموك حيث حصلت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين على موافقة جزئية. وبعدما كان الهلال الأحمر السوري قد نجح بالتعاون مع الأمم المتحدة ليل الخميس الجمعة من إدخال قافلة من تسع شاحنات من المساعدات إلى داريا، حال قصف النظام العشوائي والكثيف بالبراميل المتفجرة، بحسب ما أكد ناشطون دون القدرة على توزيع المساعدات على العائلات. وقال أسامة أبو زيد المستشار القانوني للجيش السوري الحر، الذي يتحدر من داريا، لـ«الشرق الأوسط» إن قافلة المساعدات احتوت على 9 شاحنات، ثلاث منها تضم مواد إغاثية بعدد 480 سلة غذائية بينما احتوت الشاحنات الأخرى على شوادر وسلال صحية (أدوية وأدوات طبية). وأشار إلى أنّ قصف النظام على المنطقة لم يتوقف حتى خلال دخول المساعدات، إنما زادت وتيرته بشكل كثيف بعد تفريغ المساعدات ومغادرة الوفد، ولا سيما على الجبهة الغربية التي استهدفت بالرشاشات الثقيلة والهواوين، وهو الأمر الذي لا يزال يحول دون توزيع المساعدات على العائلات. وأشار أبو زيد إلى أن المساعدات التي وصلت لداريا للمرة الأولى منذ بدء الحصار الذي تفرضه قوات النظام على المدينة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، لا تكفي لأكثر من شهر واحد ولنحو ألفي شخص من أصل 8400 مواطن محاصر، لافتا إلى أنه لا معلومات لغاية الآن حول الخطة المستقبلية لاستكمال إرسال المساعدات من قبل الأمم المتحدة أو الجهات المعنية التي تتولى التنسيق في هذا الموضوع. ويقدر «المرصد» والمجلس المحلي عدد المقيمين في المدينة بثمانية آلاف، فيما تتحدث الأمم المتحدة عن أربعة آلاف مدني محاصرين في داريا، ما يثير استياء داخل المدينة باعتبار أن المساعدات لن تكفي الجميع. وبحسب الدكتورة خولة مطر، مديرة مكتب دي ميستورا في دمشق، فإن مكتب الإغاثة في المجلس المحلي في داريا قد يعدل السلال الغذائية لتكفي جميع السكان. هذا، وأحصى «المرصد» حتى ظهر أمس إلقاء الطيران المروحي التابع لقوات النظام أكثر من عشرين برميلا متفجرا على أحياء عدة في المدينة. وقال مدير العمليات في الهلال الأحمر السوري تمام محرز لوكالة الصحافة الفرنسية إن القافلة التي دخلت «تحتوي على مساعدات غذائية، بينها مأكولات جافة وأكياس من الطحين، ومساعدات غير غذائية بالإضافة إلى مساعدات طبية»، لافتا إلى أنها تكفي لمدة شهر. ورافق القافلة التي غادرت عند الساعة الثالثة فجرا، بحسب المجلس المحلي لمدينة داريا، وفد يمثل عددا من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ويضم خولة مطر ويعقوب الحلو، مدير مكتب الأمم المتحدة في دمشق. وبثَّ المجلس شريطًا مصورًا يظهر لحظة دخول القافلة المكونة من عدة شاحنات وسيارات تابعة للأمم المتحدة، خلال إدخالها قافلة المساعدات. وكانت الأمم المتحدة قد أدخلت مطلع يونيو (حزيران) الحالي، قافلة مساعدات إنسانية إلى داريا تحتوي على أدوية ومعدات طبية، إلا أنها كانت خالية من المواد الغذائية، ما شكل خيبة أمل للسكان الذين يعانون من سوء التغذية ويشكون ارتفاع أسعار المواد الغذائية وندرتها، وذلك بعد ثلاثة أسابيع من منع حواجز قوات النظام دخول قافلة مساعدات طبية برفقة وفد من الصليب الأحمر الدولي رغم وصولها إلى مشارف المدينة، التي أتت بعد ثلاثة أسابيع من دخول وفد من الأمم المتحدة لتقويم الأوضاع الإنسانية في المدينة التي تبعد عن دمشق نحو خمسة كيلومترات.وتشكل داريا، المدينة المدمرة التي خسرت نحو تسعين في المائة من سكانها البالغ عددهم 80 ألف نسمة، معقلا يرتدي طابعا رمزيا كبيرا للمعارضة لأنها خارجة عن سلطة النظام منذ أربع سنوات. وكانت المدينة الملاصقة لدمشق على رأس حركة الاحتجاج على نظام الرئيس بشار الأسد التي بدأت في مارس (آذار) 2011، في وقت تشكّل نقطة استراتيجية بالنسبة إلى النظام الذي يحاول «تركيعها» وعجز عن السيطرة عليها، لقربها من مطار المزة العسكري.