جنيف: مينا العريبي انتهى اليوم الثالث من مفاوضات «جنيف2» من دون إحراز تقدم يذكر، إذ اصطدمت المحادثات منذ الجلسة الأولى لبحث الحل السياسي برفض وفد الحكومة السورية بحث بيان «جنيف1»، الذي يعتبر أساسا للمفاوضات التي يشرف عليها مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي. وبدلا من بحث بيان جنيف، وفرص المضي قدما بعملية سياسية تنهي الأزمة السورية، قدم وفد الحكومة السورية وثيقة «مبادئ أساسية» أراد من وفد المعارضة السورية القبول بها كأساس للتفاوض. وأكد منذر ابقيق الناطق باسم الوفد المعارضة ومستشار رئيس الائتلاف السوري لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نرفض الوثيقة، بل نرفض حتى أن ننظر إليها، فبيان (جنيف1) الوثيقة الوحيدة التي تهمنا هنا». ويذكر أن الإبراهيمي أكد أكثر من مرة أن الهدف من اجتماعات الطرفين السوريين تطبيق بيان جنيف. وأضاف ابقيق أن الحكومة السورية «تعرف جيدا بيان (جنيف1) ولكنها تريد تجاهله»، وتتجاهل العنصر الأساسي في بيان (جنيف1) وهو نقل السلطة إلى آلية حكم انتقالي. وعقد الإبراهيمي مؤتمرا صحافيا بعد الانتهاء من لقاءات منفصلة عقدها مع الوفدين السوريين عصر أمس، بعد جلسة مشتركة مقتضبة صباح أمس. وبدا أنه متعب، قائلا إنه لم يحرز تقدما ملموسا في اللقاءات التي جرت، قائلا: «لا توجد معجزة هنا»، ولكنه أوضح: «إنني مسرور بأن يبدو أن هناك عزيمة لمواصلة المحادثات - لم نتوقع معجزة، لا توجد معجزات هنا، سنتواصل لنرى إذا من الممكن تحقيق شيء هنا». وناشد الوفدين، و«من يقف وراءهما» أن «يفكروا بالشعب السوري». ولفت الإبراهيمي إلى أن عقد بدء عملية التفاوض واستمرار جولة المفاوضات رغم المخاوف من انهيارها «خطوة صغيرة جدا، والتقدم الذي حصلنا عليه قد يتراجع». وأضاف: «نأمل أن الأطراف ستتعاون وأن من لديه النفوذ على الطرفين يساعدنا». وحول مسار المفاوضات حول الحل السياسي في جنيف، قال الإبراهيمي: «ناقشنا وثيقة قدمتها الحكومة للمبادئ الأساسية، غالبيتها في بيان جنيف أساسا، و(اليوم) سنتحدث عن وثيقة جنيف نفسها». وأضاف: «نحاول أن ننفذ خطة جنيف الحقيقية التي ترمي إلى إنهاء الحرب وتمكين الشعب السوري من تحقيق طموحاته المشروعة وبناء سوريا الجديدة، كيف نطبق هذا؟ إنه أمر ليس سهلا»، موضحا: «هدفنا إنهاء الحرب وبداية بناء الدولة الجديدة». وحول آلية مناقشة بيان جنيف اليوم، قال الإبراهيمي: «كل طرف يعرفه وسنناقش معهم كيف يتم تطبيق أجزائه العدة، من بين تلك النقاط آلية الحكم الانتقالي، ولكن لن يكون البند الأول الذي سنناقشه لأنه الأصعب». ورفضت المعارضة السورية أمس مساعي الحكومة السورية لفرض وثيقة جديدة على طاولة المفاوضات، إذ أكد ابقيق أن الوثيقة الوحيدة المقبولة هي بيان جنيف الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي، ولكن المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان أكدت التزام الحكومة السورية بهذه الوثيقة: «من أجل وجود أرضية مشتركة لهذا الحوار من أجل سوريا والشعب السوري قدمنا ورقة سياسية.. نعتقد أنه لا يختلف عليها اثنان، وهي الاحترام لأرض الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها ورفض كل أنواع التدخل الخارجي ورفض الإرهاب والمحافظة على الدولة... وفوجئنا بأن الطرف الآخر قد رفض هذه المبادئ التي أعتقد أن كل سوري طبيعي يحب بلده يقبلها». وأضافت أن على الرغم من عدم الاتفاق على الوثيقة السياسية فـ«ستستمر المحادثات لأن السيد الإبراهيمي أراد أن نبدأ بنقاط لا يختلف عليها اثنان، لم نرد أن نبدأ بالنقاط الخلافية». ومن المتوقع أن يقدم أحد أعضاء فريق الإبراهيمي صباح اليوم إطارا حول كيفية بحث الانتقال السياسي لمنع التصادم بين الوفدين. وهناك قضايا شائكة عدة على الوفدين بحثها مثل إذا ما سيكون انتقالا سياسيا بناء على الدستور الحالي أم وضع دستور مؤقت أو إقرار قانون جديد لنقل السلطة في البلاد. وتواصلت الحرب الإعلامية بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية أمس، إذ حرص الطرفان على الإدلاء بأكبر عدد ممكن من التصريحات، كل طرف يدعي الالتزام بـ«جنيف1»، ومعتبرا الطرف الآخر المعرقل. وظهر على الإبراهيمي الامتعاض من هذه التصريحات، قائلا: «من الطبيعي أن الطرفين يتحدثون مع الإعلام، لكن أرى أن التصريحات الإعلامية أكثر من المطلوب، وقلت لهم إن عليهم أن يتصرفوا بمسؤولية وأن يحترموا سرية المحادثات، وإذا لم تحترموها فعلى الأقل لا تبالغوا في التصريح». ولفت إلى إشاعة دارت بين الصحافيين أمس أن الإبراهيمي وبخ وفد النظام، نافيا أن يكون قد حدث أي شيء من هذا القبيل، موضحا: «إنني لا أوبخ، هذا ليس من طبعي». وأضاف الإبراهيمي: «طلبت من أعضاء الوفدين أن يكونوا حذرين في التصريحات». وأقر الإبراهيمي بأن «المحادثات الإنسانية لم تقدم الكثير مع الأسف.. أطلب من الطرفين أن يفعلوا شيئا بالنسبة للمناطق المحاصرة من قبل طرف أو آخر، وما زلت أطلب أن يحدث شيء حول هذه المناطق، إذا كانت محاصرة من قبل الحكومة أو الجماعات المسلحة». وعبرت المعارضة عن امتعاضها من عدم تطبيق اتفاق رفع الحصار عن المدينة القديمة في حمص، وهي كانت أولى خطوات «إجراءات بناء الثقة» الهادفة إلى جعل المحادثات في إطار أكثر إيجابية لكن لم تحرز نتيجة. وأوضح الممثل الأممي والعربي: «أعتقد أن إجراءات بناء ثقة يجب أن تضع الأرضية لأجواء بناءة، ومع الأسف لم تحدث قبل لقائنا على الرغم من حديثنا عنها لوقت طويل.. كنا نتمنى إطلاق المعتقلين وإعطاء الغذاء للرجال والنساء والأطفال، وسنواصل مطالبنا بذلك». ولكن ستتواصل المحادثات من دون إحراز تقدم في تلك الملفات، إذ أوضح الإبراهيمي: «أعتقد أننا مسرورون ومتشجعون أن هذا المؤتمر نعمل عليه منذ مايو (أيار) الماضي». وأضاف: «مع الأسف الشديد لا يوجد اتفاق على وقف إطلاق نار أو على الأقل تخفيف مستوى العنف الممارس في سوريا»، موضحا: «في الكثير من عمليات السلام يبدأ الحديث عن الحل من دون وقف القتال، ولكنه شيء مؤسف.. كلامنا عن رفع الحصار كله دعوة إلى تخفيف معاناة الناس». وأكد الإبراهيمي أن «قافلات الغذاء ومواد غذائية جاهزة ستدخل من الأمم المتحدة» في حال وافقت الحكومة السورية. واعتبر وزير الإعلامي السوري عمران الزعبي أن المطالبة برفع الحصار عن 500 عائلة محاصرة في حمص «محاولة لمكسب سياسي» من قبل المعارضة، في إشارة جديدة إلى رفض الحكومة الموافقة على رفع الحصار، معتبر أن «ملفات المساعدة الإنسانية ليس لها صلة بوجودنا أو عدم وجودنا في مؤتمر جنيف». ونددت الولايات المتحدة وبريطانيا برفض الحكومة السورية رفع الحصار عن حمص، وطرحها مقترحا آخر أول من أمس وهو إجلاء النساء والأطفال من حمص. وشرح السفير البريطاني المخول التعامل مع المعارضة السورية جون ويلكس: «لنبقِ الأمور بسيطة، يحب أن يسمح النظام بدخول القافلات الإنسانية، وبعدها يمكن للشعب أن يقرر، يبقى أو يغادر». ومن جانبه، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ايدي فازغيس: «على النظام السوري أن يوافق على دخول القافلات إلى المناطق، وهي بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية في مدينة حمص القديمة، الأمر حرج والناس تعاني من التجويع... ما طرحه النظام، وهو إخلاء النساء والأطفال، ليس كافيا، يجب أن يكون للمدنيين حرية الحركة ويجب أن لا يجبر أهالي حمص على ترك بيوتهم وتمزيق عائلاتهم من أجل الحصول على الغذاء والمساعدات». ومن جهة أخرى، من المتوقع أن ينضم ممثلون عن المجموعات المسلحة إلى المستشارين لوفد المعارضة السورية في جنيف، في الجولة المقبلة، والمتوقع أن تكون بعد أسبوعين، أي بعد انتهاء الجولة الحالية يوم الجمعة المقبل وبعد استراحة لمدة أسبوع. ومن جنيف، أكدت الإدارة الأميركية قرارها لاستئناف المساعدات العسكرية غير الفتاكة للمعارضة السورية. وأكد مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط» أن الإدارة «اتخذت قرار استئناف المساعدات غير الفتاكة، وقد بدأ ذلك فعلا بالنسبة للجهات غير المسلحة في المعارضة، بينما توصيل المساعدات لمجموعات مسلحة سيستأنف فور التأكد من سلامة خطوط إيصالها، وهذا سيكون قريبا جدا». وتشمل المساعدات أجهزة اتصالات وسيارات إسعاف ومولدات كهربائية ومساعدات غذائية وطبية، إضافة إلى معدات مكتبية للمجالس المحلية ومجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني. وتؤكد الإدارة الأميركية أن المساعدات لا تشمل أسلحة أو ذخائر. وكانت واشنطن قد علقت إرسال المساعدات للمعارضة السورية الشهر الماضي بعد استيلاء مجموعات متطرفة على مخازن الأسلحة التابعة للجيش الحر. واتخذت بريطانيا نفس الإجراء، كما أغلقت تركيا حدودها مع سوريا بعد تزايد المخاوف من نمو قوة الجهاديين المتطرفين المرتبطين بتنظيم القاعدة في شمال سوريا. ويشير المحللون إلى أن استئناف المساعدات غير القتالية سيعزز من موقف المعارضة السورية على الأرض، كما ينظر إليها على أنها مكافأة من الولايات المتحدة للمعارضة لمشاركتها في محادثات السلام الجارية مع حكومة بشار الأسد في جنيف.