فجأة ودون سابق إنذار احتل خبر عودة الملياردير ورجل الأعمال المجري الأصل الأمريكي الجنسية جورج سوروس إلى عالم التداول والمضاربة مقدمة الأخبار في وسائل الإعلام المختلفة، فالرجل الذي يعد إحدى أساطير عالم المال والأعمال، اعتزل منذ فترة عالم المضاربة والتداول، واكتفى بإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات أو الإدلاء بدلوه حول تطورات الاقتصاد العالمي، قرر أن يعود مرة أخرى للأسواق. قد تبدو عودة سوروس مؤشرا مهما على المسيرة الراهنة للاقتصاد العالمي، فبالنسبة للكثيرين يعد سوروس نموذجا للمستثمر أو المضارب الذي يجيد التكسب من الألم أو كوارث الآخرين، وهذه المرة لم يخف الرجل الحقيقة فقد عاد للاستفادة من المشكلات الاقتصادية القادمة. ووفقا لما تسرب لوسائل الإعلام من مقربين منه، فإن توقعاته السلبية تجاه الاقتصاد الدولي في المرحلة المقبلة، واحتمال تعرض الاقتصادات الكبرى لهزة قوية، تجعله قادرا على اقتناء الكثير من الثمار المتساقطة، ودفعه ذلك للعودة مجددا لعالم التداول مدعوما بأحد أكبر الصناديق المالية في العالم وهو الصندوق العائلي الخاص به وبأسرته وتبلغ أصوله المعلنة نحو 30 مليار دولار. ولكن ماذا كان أول قرار اتخذه الرجل؟، قال لـ "الاقتصادية"، بيرت بيل كبير المحللين الاستراتيجيين في بورصة لندن، إن سوروس باع 37 في المائة من الأسهم التي يمتلكها، وقام بشراء الذهب وحصة بقيمة 19 مليون دولار في مجموعة Barrick أكبر منتج لسبائك الذهب في العالم وتبلغ قيمتها 264 مليون دولار، كما قام بشراء أنصبة بقيمة 1.05 مليون دولار في SPDR Gold Trust ETF. وحول مدلول تلك الخطوة، يوضح بيرت أن سوروس يتوقع باختصار تراجعا في الأسواق العالمية، ولذلك يريد التخلص من الأسهم التي على الرغم من أنها في أعلى مستوى لها الآن، إلا أنه من الواضح أن سوروس يتوقع انخفاضها خلال الفترة المقبلة، ولذلك لجأ إلى الملاذ التقليدي للمستثمرين في أوقات الأزمة وهو الذهب. ويعتقد الدكتور جون ألفريد الخبير في النظم الاستثمارية أن نظرة سوروس المتشائمة تجاه مسيرة الاقتصاد العالمي، زادت تشاؤما خلال الأشهر الست الماضية، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الصين وأوروبا منذ آب (أغسطس) الماضي. وأضاف ألفريد أن علينا أن نتذكر أنه على الرغم من التحسن في الاقتصاد الأمريكي وهو ما يتجلى في الارتفاع المتواصل في أسعار الأسهم، والاستقرار الاقتصادي الحالي في الصين رغم تباطؤ معدلات النمو، إلا أن سوروس صرح قبل عدة أشهر بأن وضع الاقتصاد الصيني واليوان سيئ للغاية، وهو ما استدعى صحيفة الشعب - الصحيفة الرسمية- في الصين أن تخصص افتتاحيتها للهجوم عليه وانتقاده بشدة، ومن الواضح أن سوروس لا يزال يحمل نظرة شديدة السلبية تجاه مستقبل الاقتصاد الصيني، وهذا تحديدا ما دفعه للعودة مجددا لممارسة نشاطاته المالية والمضاربة على أمل تحقيق عدة مليارات من الأزمة الاقتصادية المقبلة. ويعتقد سوروس أن الهروب المتزايد لرؤوس الأموال الأجنبية من الاقتصاد الصيني، واستنزاف احتياطاتها الوطنية من العملات الأجنبية، في الوقت الذي تتزايد فيه احتياطات البلدان الآسيوية من العملات الأجنبية، نقطة الخطر الرئيسة التي تواجه الصين، فقد حذر أن من بكين تواجه تناقضات داخلية ضمن القيادة السياسية، وخلال السنوات المقبلة سيؤدي ذلك إلى تعقيد قدرتها على التعامل مع مشكلاتها المالية. ولا يبدو أن الأمة الصينية على استعداد لتبني نظام سياسي شفاف، وهو ما يعد ضروريا لتفعيل الإصلاحات الاقتصادية، وإذا كانت بكين قد شرعت في بعض الإصلاحات الاقتصادية العام الماضي، فإنها تراجعت عنها جراء الاضطراب الاقتصادي في الأسواق المحلية. وأشار لـ "الاقتصادية"، فرانك بيكن الباحث في الاقتصاد الدولي، إلى أنه من الواضح للغاية أن تفكير سوروس يضع التغيرات الاقتصادية في الصين باعتبارها مركزا للضغط على النظام الاقتصادي العالمي، وأن الضغوط الانكماشية في الاقتصاد الصيني ستخلق دوامة شديدة العنف من الانخفاض في الأجور والأسعار عالميا، ولن تفلح الزيادة في الأجور في الولايات المتحدة وارتفاع معدلات التضخم في التصدي لها. وإذا كان سوروس يعرف في الأوساط الدولية باسم "الرجل الذي قصم ظهر بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)" نتيجة تحقيقه عام 1992 أرباحا تقدر بتريليون دولار لمضاربته على العملة البريطانية، وتوقعه أنه لن يكون أمام الحكومة البريطانية من خيار آخر غير خفض قيمة الاسترليني، وهو ما كانت الحكومة تنكره وتستبعده حينها، فإن السؤال المطروح الآن هو: إلى أي مدى يجب أن يتبع المستثمرون خطوات رجل بلغ من العمر 85 يتخلص مما لديه من أسهم على الرغم من أن أسعارها بلغت القمة ويستثمر في الذهب؟. "الاقتصادية" استطلعت آراء بعض المختصين المصرفيين والعاملين في مجال الاستثمار والذهب، ومنهم فرانك باري العضو في اللجنة الاستشارية في اتحاد السبائك البريطاني، الذى أكد أن أخبار عودة سوروس، وتخلصه من جزء كبير مما لديه من أسهم لمصلحة الذهب، ستخلق موجة تصاعدية في أسعار الذهب وربما المعادن، وترفع من أسعار المعدن النفيس وتؤدي إلى تحسن الوضع، وإذا كان الذهب قد حقق زيادة نحو 20 في المائة منذ بداية العام فأتوقع أن يحقق زيادة تصل إلى 30 في المائة جراء السلوك الاستثماري لسوروس. ويعتقد المصرفي فرانك سميث أن سلوك سوروس سيؤثر إلى حد كبير في اتجاه الأسواق في الفترة المقبلة، ولكن ستظل هناك دائما خيارات متنوعة لدى المستثمرين ولا يمكن حصرها في الذهب فقط، وستظل هناك مقارنات من عينة: الذهب أم الين الياباني؟ الذهب أم الدولار؟ الذهب أم اليورو والاسترليني؟ وإن كان وضع العملتين الأخيرتين سيتوقف على الاستفتاء القادم والخاص بانسحاب أو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولكن المؤكد أن أسواق الأسهم ستشهد تراجعا؟. ويرى عبد الفالح حسن المختص الاستثماري العربي في لندن، أن سعر الذهب يتحدد على أساس مجموعة من العوامل منها سعر صرف الدولار وأسعار الفائدة وتقلبات الأسواق، فإذا تراجع مؤشر الأسهم الأمريكية فإن عدم الاستقرار في الأسواق الدولية، سيزداد وسيدفع ذلك بالمستثمرين للمزيد من اقتناء المعدن النفيس، مشيرا إلى أن سلوك سوروس يعزز المخاوف النفسية لدى المستثمرين وخاصة الفئة المتوسطة التي تتأثر كثيرا بسلوك كبار المضاربين، ولا شك أن إقدامه على الاستثمار في مجموعة Barrick كان خطوة شديدة الأهمية، ليس من منطلق أنها أكبر شركة في العالم لإنتاج سبائك الذهب. وأضاف حسن أن الشركة التى استثمر فيها سوروس نجحت في خفض ديونها من 13 مليار دولار في عام 2014 إلى تسعة مليارات دولار الآن، وبنهاية العام الحالي ستصل ديونها إلى ثمانية مليارات دولار فقط، لافتا إلى أن الشركة ستنجح هذا العام في تحقيق أرباح حتى وإن بلغ سعر أونصة الذهب ألف دولار بينما توقعات الشركة أن تبلغ قيمة الأونصة 1700 دولار هذا العام.