×
محافظة المنطقة الشرقية

«العمل» توقف الخدمات عن المنشآت المخالفة لقرار توطين الاتصالات

صورة الخبر

لا يمكن نسيان حَدَث «طرابلس الشام» الانتخابي بسهولة، فدلالاتُهُ تتجاوز التحول عن هذا الزعيم أو ذاك أو هذه النخبة أو تلك؛ إذ كان الفرصة الأولى السلمية للجمهور المستنزَف قتلاً وتشريدًا واعتقالاً وإفقارًا، للتعبير عن رفضه للواقع الذي تفاقمت وقائعه عليه؛ ليس من جهة إهمال السياسيين له، بل ومن جهة انعدام الخدمات البلدية عنده. ولنقارن بين طرابلس من جهة؛ وكل من صيدا وبيروت من جهة ثانية.. ففي بيروت، وبالموازين الخدمية، ما كانت بلديتها جيدة، وما نسي الناس مسألة النفايات التي لم تقدم فيها البلدية شيئًا. وعلى ذلك، فما انقلب الناس على الزعامة السياسية، لأنها سعت للتوافق وفي الوقت نفسه تغيير كل السابقين، لكنهم بالطبع ما تحمسوا كثيرًا بسبب إزعاجات التجارب. أما في صيدا، فإنّ بلديتها أنجزت إنجازات كثيرة وكبيرة، ومن ورائها ومعها نائبا المدينة السيدة بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة. ولذلك، فإنّ الانتخابات كانت سلسةً وناجحة ومرتفعة النسبة. طرابلس ما تعرضت فقط لفشل بلدي، بل تعرضت لحروبٍ على أحيائها الشعبية منذ عام 2007 (=مخيم نهر البارد)، وإلى نهاية ولاية الرئيس ميقاتي مطلع عام 2014. وقد كانت حروبًا ذات وجهٍ طائفي، ما شارك فيها مسلَّحو بعل محسن و«حزب الله» والنظام السوري فقط؛ بل وأوساط مسيحية من حول الجنرال عون وعون نفسه. الآخرون كانوا يتحدثون عن التطرف عند المسلمين، أما الجنرال فكان يتحدث عن «التطرف السني»، ويربطه بآل الحريري، وقبل الحرب السورية وبعدها. فلنعُدْ إلى أصول المسائل، وكيف ظهر التطرف الديني في أوساط المسلمين جميعًا، فأدّى إلى انهيار الدولة الوطنية الإيرانية، وقيام نظام ولاية الفقيه، بينما ما استطاع فعل الشيء ذاته في الدول العربية، لكنه زعزع عدة أنظمة ولا يزال. وكان الأصل في ذلك كلِّه تصدُّع «التقاليد» الفقهية والعقدية تحت وطأة الحداثة، ولدى السنة والشيعة. ولا دينَ من دون تقليدٍ ومؤسساتٍ تتبناه وتسير فيه، ولذلك جهد إصلاحيون سلفيون وحداثيون من أجل فتح التقليد أو صنع فقهٍ جديدٍ للدين وللعيش، لمواجهة الاستعمار والحداثة. وحقق كلٌّ من الطرفين نجاحات. وما معنى النجاح في الحالة التي نتحدث عنها؟ النجاح يعني القدرة على التلاؤم أو الاستعداد للتجارب بما يصون المصالح الكبرى في الدين والدنيا، ويدفع باتجاه المشاركة والتأثير في عالم العصر وعصر العالم. السلفيون ساعدوا في إقامة دولة متميزة، والإصلاحيون الحداثيون دعموا مشروعات الدول الوطنية الجديدة. وكلا الطرفين حاول فتح التقليد وصنع الجديد في فقه الدين وفقه العيش. وقد تجلّى ذلك في قوانين ومدوَّنات الأحوال الشخصية المتجددة، وفي إدخال دثائر من موروث الفقه الإسلامي في القوانين المدنية، وفي القيام بأعمال جادة وبحوث في مقاصد الشريعة، والتفكير الآخر في العلاقات الدولية والنظام الدولي من منطلقاتٍ تاريخية وفقهية، والاتجاه إلى «تقنين الفقه» وليس تقنين الشريعة! إنّ كلَّ هذه التوجهات التجديدية تعرضت لانتكاسات أو توقفات في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ثم بدأ المشهد بالانعكاس في سبعينات القرن وما بعد. الانفصال الباكستاني عام 1947 كانت له دلالات سلبية على إمكان عيش المسلمين مع غيرهم في العالم المعاصر. والحرب على فلسطين، وعجز الدول العربية المستقلة وقتها عن إفشال المشروع الصهيوني، كان أيضًا ذا دلالات سلبية على مستقبل الدولة الوطنية وقدراتها. وقد تفاقم هذا الضعف في الحرب الباردة بين الجبارين (1950 - 1990)، لأنها قسمت الصف العربي وصنعت محورين (انظر كتاب مالكولم كير: «الحرب الباردة العربية 1958 - 1968»). وهزائم المشاريع الوحدوية العربية وسيطرة العسكر، توازت مع هزيمة باكستانية أمام الهند، وسيطرة الجنرالات أيضًا. إنّ هذه التطورات السياسية والاستراتيجية، توازتْ مع ظهور فكر صَحَوي وإحيائي إسلامي تمثّل في حركتين رئيسيتين: الجماعة الإسلامية في باكستان، وحركة الإخوان المسلمين في مصر. ومع الوقت، صارت هاتان الحركتان رمزًا لما صار يُعرف بـ«الإسلام السياسي».. فامتدت الجماعة المودودية وانتشرت في أقطار شرق وجنوب شرقي آسيا، وامتد الإخوان المسلمون إلى سائر الدول العربية. وماذا كان جوهر فكرتهما وفكرهما؟ أنّ الغرب ونظام العالم يشنان حربًا ضروسًا على الإسلام، تتمثل أيضًا في حكم النُخَب المتغربة في الدول العربية الإسلامية، وأنه لا بد من إقامة نظام إسلامي، صارت نظريته (=الحاكمية والنظام الكامل) جاهزةً للتطبيق (=تطبيق الشريعة). وفي حين فازت هذه النظرية الجاهزة بصيغتها الشيعية، نفد صبر الإحيائيين السنة، فانصرفت فئاتٌ من شبانهم للعنف والإرهاب لإقامة الدولة، وتارةً بـ«الجهاد البعيد» (=مهاجمة الولايات المتحدة وأوروبا) أو بـ«الجهاد القريب» (مقاتلة الأنظمة والشعوب!). وما كفانا الانشقاق في الإسلام السني باتجاه التسيُّس والعنف. فقد هدأت إيران قليلاً تحت وطأة الحرب مع العراق، ثم انصرفت لإيقاظ الحساسيات الشيعية - السنية، واجتذاب الإسلاميين الفلسطينيين بحجة تحرير فلسطين، والحديث مع الإخوان والجماعة الإسلامية، بل والتواصل مع «الجهاديين» المقاتلين للحكومات العربية والإسلامية. وكان من سوء الطالع أنّ ذلك كلَّه تصادف مع تحول الأصوليات السنية إلى العدو رقم «1» للولايات المتحدة والغرب، بل وروسيا والصين والهند! ولذا، ما مضت غير سنواتٍ قليلة، لا تبلغ العقد، حتى وجدْنا أنّ سائر هذه الأطراف الدولية والإقليمية المتباينة في الأصل تتلاقى على مكافحة «الإرهاب السني» في المواطن التي ينتشر فيها، وهي المواطن (مثل العراق وسوريا واليمن وأفغانستان) التي تعمل ضد السكان فيها (وليس ضد الإرهاب) ميليشيات إيرانية وشيعية عربية وباكستانية وأفغانية ويمنية وكردية وسريانية وسورية وعراقية تابعة للنظام السوري والعراقي أو لإيران مباشرة. وبالأمس أصدرت الأمم المتحدة بيانًا بأنّ الهجمات على منبج فالرقة ستهجّر ما لا يقل عن رُبع مليون نسمة، يضافون إلى 12 مليونا تهجروا داخل سوريا وخارجها، و3 ملايين بالعراق. وأصرّ بشار الأسد في خطاب على رفض الانتقال السياسي، والاستمرار في القتل التهجير! وما عاد يمكن التفرقة في القتل والتهجير بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران، لكنّ إيران تنفرد بالإعلان اليومي عن إرادة قتل التكفيريين، ويعني ذلك «العرب السنة»! لقد صعدت الأصوليات الدينية والسياسية في أوساطنا بدوافع الخوف على الهوية ومواجهة الغرب، لكنها تغذت وتتغذى (من لحومنا ودمائنا وعقولنا بالطبع)، نتيجة الهجمة الطائفية الإيرانية، والسياسات الدولية. والجميع يتنافس في تخريب المدن والبلدات وقتل الناس. وهذه محنةٌ دينيةٌ واستراتيجيةٌ يظلُّ الحليم فيها حيران! فيا للعرب!