وقد وقعت حينما كان النبى صلى الله عليه وسلم فى بنى سعد لدى مرضعته.. فعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صـلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة (قطعة من الدم)، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله فى طست (إناء كبير من نحاس يغسل فيه) من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه (ضم بعضه إلى بعض)، ثم أعاده فى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (مرضعته)، فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس رضى الله عنه: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره. [مسلم: 162/261]. وفاة أمه صلى عليه وسلم قضى الله عز وجل بحكمته أن ينشأ هذا الطفل المبارك يتيم الأبوين، فها هو لم تكتحل عينه برؤية أبيه، وها هو فى سن الطفولة المبكرة، فى السادسة من عمره، يفقد الأم الرءوم، حيث كانت وفاتها فى طريق عودتها من المدينة إلى مكة، فى مكان قريب من الأبواء (قرية تبعد عن المدينة نحو أربعين كيلومترا على طريق مكة )، ولكن لطف الله وعنايته كانت تـحف هذا الطفل الكريم، فقد هيأ الله له من يرعاه ويحنو عليه؛ قال تعالى: ألم يجدك يتيما فآوى [الضحى: 6]. أم أيمن حاضنة النبى قال ابن شهاب الزهرى: وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبدالله بن عبدالمطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفى أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. [مسلم: 1771]. وهى أمة حبشية اسمها بركة، كانت مملوكة لعبدالله بن عبدالمطلب والد النبى، ولكن الله عز وجل بفضله ومنته جعل هذه الأمة تتصدر قائمة أعلام النساء المؤمنات ويكون لها اسم وشأن فى التاريخ لارتباطها بالنبى، وزاد كرم الله عز وجل عليها بأن جعلها تحضنه وترعاه منذ ولادته [البخارى: 3737م]، وكانت منهلا يتدفق بالحنان له بعد أن فقد أمه، وبعد أن كبر النبى وأعتقها، فظلت فى كنفه وخدمته، وكانت من أوائل من أسلم وآمن به. حضانة الجد العطوف ترعرع محمد صلى الله عليه وسلم فى كفالة جده سيد قريش عبدالـمطلب، الذى أفاض عليه من مشاعر الحب والحنان، غير أن جده ما لبث أن مات بعد أن جاوز الرسول سن الثامنة من عمره. كفالة العم الحنون انتقل الرسول إلى كفالة عمه أبى طالب، الذى أنزله من قلبه مكانا جميلا. وكانت زوجته فاطمة بنت أسد رضى الله عنها ترعاه مع أولادها أحسن رعاية، ولما أن بعث الرسول ظل عمه يحوطه ويـحميه ويناصره حتى آخر لـحظة من حياته، مع بقائه على دين قومه. [البخارى: 3883، ومسلم: 209]. رحلة الشام الأولى وقصة بحيرا الراهب سافر النبى مع عمه أبى طالب إلى الشام، وهو غلام، وفى مدينة بصـرى التى تتبع درعا فى سوريا لقى هناك فى طريقه الراهب بحيرا، الذى عرف أن له شأنا عظيما، وأن أوصافه هى أوصاف النبى الـمنتظر؛ فعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه، قال: خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبى صلى الله عليه وسلم فى أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، فهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله رسول الله، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟، فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا؛ ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضـروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به وكان هو فى رعية الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فىء الشجرة، فلما جلس مال فىء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فىء الشجرة مال عليه [الترمذى: 3620].