يكتسب الخطاط السعودي حسن آل رضوان أو عابد أهميته ليس من كونه عضوا مؤسسا في جمعية الخطاطين السعوديين ولا كونه رئيس جماعة الخط في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، ليس هذا ولا بسبب العديد من الجوائز والمشاركات التي سجلها محليا وخليجيا وعربيا، بل لجرأته في ابتكار مسارات جديدة في رسم الحرف العربي، بعد سنوات طويلة قضاها في التأسيس وفق القواعد الصارمة للخط العربي، وهو الخطاط المسكون بهم إعادة فن الخط العربي إلى الناس عبر مناهج التعليم أو عبر نشره ثقافة الخط العربي عبر خطوطه البديعة في شبكات التواصل، وحول تجربة الخطاط عابد في فن الخط العربي ورأيه في انحسار الخط من الحياة العامة وأمور أخرى، جاء هذا الحديث مع هذا الفنان السعودي الذي تجسد رحلته مع تعلم وتعليم الخط العربي، مثالا ناصعا في المثابرة والأصالة. الحرف العربي يمتلك من الطاقة الكثير.. وقلة إنتاج الخطاط ستقلل فرص حضوره اختيار التوقيع نبدأ معك بداية من اللقب الذي اخترته عابد لماذا؟ تعارف الخطاطون في العادة أن يستخدم ويوقع كل خطاط باسمه الأول أو اسم عائلته أو اسم أبيه للتوقيع، بالنسبة لي لم أتمكن من اختيار أي من هذه الأسماء للتوقيع؛ لأنّ عدة خطاطين يوقعون بأسماء مشابهة لاسمي واسم والدي واسم العائلة، بعض هؤلاء معاصر وآخرون توفوا، لذا اخترت اسم عابد وهو اسم عائلة والدتي من الأشراف، معلمة للقرآن وكان لها أثر كبير بأن حببتني في الفن منذ الصغر ما إن لمست لدي هذا الاهتمام. جو مناسب إذاً الاختيار كنوع من الوفاء؟ أجل، كنت صغيرا أرسم، فوجهتني نحو هذه المنطقة بشكل كبير، وعندما وجدتني بدأت تعلم الخط، سعت لتوفير الجو المناسب لي، فمن باب الوفاء إليها استأذنتها في استخدام الاسم، وأول استخدام لاسم عابد كان بعد بدايتي في عالم الخط بثماني سنوات، قبل ذلك كنت اخرج اللوحات من دون توقيع، في آخر سنة كنت أكتب رضوان على حياء لعلمي بأنّ هذا الاسم مستخدم من عدة خطاطين. رحلة طويلة لديك رحلة طويلة مع الخط العربي وصلت إلى تركيا وأكثر من بلد.. لو تحدثني عن هذه الرحلة وأثرها على جودة عمل. رحلتي مع الخط العربي كانت مقسمة إلى ثلاثة أقسام، الأول دراسة الخط والتفصيل فيه، القسم الثاني وهو الشأن الإداري لأني إلى حد ما، حامل جزء من المسؤولية مع الأصدقاء بأن نحرك عجلة الخط العربي على مستوى الساحة السعودية بدءا من المنطقة الشرقية، كان هذا هماً كبيرا، القسم الثالث وهو رد جزء من العطاء وهو تعليم الخط العربي، في القسم الأول، بدأت الخط العربي على يد الأستاذ الفاضل نافع التحيفة، درست عنده (14) سنة، بشكل مباشر وأحيانا بشكل شفهي، هذا الأستاذ لم يحرمني من أي معلومة واستفدت منه في الخط وغير الخط فهو صحح بعض الرؤى في طريقة نظرتي إلى الفن، بحيث ألا أنظر للفن بطريقة سطحية بلهاء. فكان الأستاذ يسعى لتعميق رؤيتي في نظرتي للفن، من الجوانب الفلسفية والفكرية وليس الشكلية، بعد الدراسة لدى الأستاذ لـ(14) قال لي: هذا الذي لدي، أتمنى أن تكمل مسيرتك، في العام 1430هـ، بدأت الرحلة إلى تركيا البلد المعروف بخطاطيه الكبار، وهنا بدأت أعرض تجاربي على الأستاذ الخطاط المعروف محمد أوزجاي، ولا زلت أترحل من فترة لأخرى وأعرض عليه وعلى الأستاذ داؤود ورؤاي، كانوا يثنون على تجاربي في مرحلة ما بعد إجادة الحرف وقواعد الخط العربي إلى طريقة ابتكارات جديدة في فن الخط العربي. الخروج عن القاعدة إذاً، أنت امتلكت قواعد الخط الأولى ثم جنحت نحو التجريب والابتكار في الخط العربي، عبر الخروج عن القاعدة.. ألا توجد خطورة في هذا الاتجاه؟ الخطورة هي أنك في مرحلة البناء الأبجدي، والتأسيس تقوم بالخروج بأن تتحدث وتتكلم وتتفلسف وتجتهد في منطقة أنت لست مثبتا فيها وجودك، أعتقد أن رحابة كل الفنون هي ما بعد الانتهاء من مرحلة التأسيس الأبجدي للفن، فلكل فن أبجديات عامة، ما بعد تخطي هذه المرحلة الميدان مفتوح كرؤى، فبعد الانتهاء من المرحلة الأولى قمت بتجديد رؤيتي لفن الخط العربي الذي يعبر عنه بأنه فن ميت أو كسيح أو مريض.. الباحث والمراقب في الفنون البصرية سيرى الموت في فن الخط العربي مقارنة مع التصوير الضوئي أو التشكيلي؛ لذا حاولت القول ان الحرف العربي يمتلك من الطاقة والقوة الشيء الكثير، من خلال مرحلة ما بعد تأسيس الحرف والنظر والابتكار في التكوين. إبعاد مادة الخط كيف ترى مكانة الخط العربي في مناهج التعليم بين الأمس واليوم؟ للأسف حجم المشكلة غير متخيلة بالنسبة لبعض المسؤولين، ماهو ضرر إبعاد مادة الخط العربي عن المناهج، والتفرغ إلى الأمور العلمية، إبعاد مادة الخط العربي عن مناهج التعليم سبب عددا من المضار، أول هذه المضار والمشاكل تظهر في مرحلة المتوسطة والثانوي، أننا لم نستطع لغياب هذه المادة، أن نكتشف من هم محبو الخط العربي، المشكلة الثانية تدني مستويات الكتابة اليدوية لأن الخط العربي يعتمد على الكتابة الكثيرة، وهذه الأجيال منشغلة بالأجهزة الحديثة، قلة استخدامهم للقلم كان بداية المشكلة، وهذا له أثر مشارك في تدني الذوق الجمالي، عندما نرى الخط السيئ الذي يكشف عنده اهتمام بالفن لنصل إلى درجة يكون فيها الجميل كالقبيح، ومن أبرز مشكلات مرحلة ما بعد إزاحة مواد الخط العربي هي تدني مستويات الطلاب في مادة الإملاء، وهي من الأمور غير المتخيلة، فالطالب من كثرة الكتابة ورسم الحروف والكلمات يتعود على إجادة الإملاء. مناهج حديثة هذا ما لمسته كونك مدرسا؟ بالفعل.. ألمسه بشكل يومي، كيف يمكن أن تدخل ولدك المدرسة ليتخرج وخطه سيئ وإملاؤه غير مقبول؟ الخط فن ولدينا في المناهج الحديثة التعلم عن طريق الفنون، ومنها الخط، فلماذا لا نستفيد من هذا الفن الذي يحمل بصمة الهوية العربية في المقابل حببت الطالب بعلم اللغة العربية ومشتقاته. قلة الإنتاج كيف تنظر لمستوى وموقع الخطاط السعودي مقارنة بالخطاطين في العالم؟ لكل مجتهد نصيب، كلما تحركنا استفدنا أكثر، نحن نعيش في عالم مواقع التواصل، حيث انفتح جميع الفنانين على بعض، لذا أوصي جميع أخوتي وأخواتي من خطاطي وخطاطات المملكة بالعمل أكثر، إذا لم تعملوا ستذوبوا لأن هنالك حضورا ومدا قويا من الإنتاج اللافت في مجال الخط، اليوم للخطاط موطئ قدم وبقلة الإنتاج لن يكون له مكان، معارض الخط العالمية لا تقبل أي مخرج، إلا ذي الجودة العالية. الإجابة على الأسئلة بخصوص شبكات التواصل، إلى أي مدى استثمرتها في تقديم أعمالك وتحبيب الآخرين بالخط العربي؟ على المستوى العام كان جزءا من سعيي الشخصي مع بقية الفنانين أن نقول بأن الخط العربي موجود، وهو كالقاطرة التي خرجت من تلك السكة وعلينا أن نعيدها لتكمل المسيرة، على المستوى الشخصي، حضوري في مواقع التواصل هو كمحاولة للإجابة على بضع الأسئلة التي بدت مستهلكة ومتكررة، كأن يقال بأن الخط العربي فن ميت، ولا يقدم جديدا وهذه الأجهزة تغني عنه؛ لذا حاولت أن أقدم تجاربي التي فيها جزء من الحداثة والتجريب والتجديد لتكون قريبة من الملتقين وأحبب الناس في الخط العربي ليروا صورة مغايرة وليس كتلك المتداولة عن الخط العربي. أظن أنك استثمرت الأشعار والأدب لتقريب الخط لهم؟ نعم، تعارف الكثيرون أن الخط العربي هو كتابة آيات أو أحاديث، ولكن الخط العربي يستوعب كل شيء، من هنا تجدني أنشر ماهو منطوق، خاصة إذا كان ذا قيمة إنسانية عليا. حسن آل رضوان من أعمال عابد من أعمال عابد