هل تعيش أمريكا مرحلة أزمة سياسية؟ هذا السؤال تردد على ألسنة أكثر من محلل سياسي في الولايات المتحدة وأوروبا، ضمن تحليلهم لمسار السباق الانتخابي للرئاسة، والذي قفز بدونالد ترامب إلى مقدمة السباق، كمرشح منتظر للحزب الجمهوري. وأن ذلك حدث رغم اتفاق جماعي على نقص خبرته السياسية، وما يمكن أن يسببه ترشحه من تمزيق للحزب. أكثر من ذلك هناك احتمال في أن يؤدي فوزه إلى قلب القواعد التقليدية التي تحكم عمل النظام الحزبي في الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالحزب الجمهوري. وعلامات الأزمة يوحى بها، استسلام الحزب الجمهوري، لانتصارات ترمب في الولايات الانتخابية، والخوف من أن تترك الساحة للمرشحة الديمقراطية المنافسة هيلاري كلينتون. وبحيث صار من المرجح أن يحظى ترامب بترشيح الحزب الجمهوري رسمياً، عندما تجرى الانتخابات الأولية في ولاية كاليفورنيا، أكبر ولايات أمريكا. معنى هذا الاستسلام من الحزب الجمهوري، أن زمام التحكم في رجحان كفة المرشح الذي يفوز، بدأ ينسحب من يد مؤسسة الحزب، خاصة وأن سباق الترشح للرئاسة، كان ينتهي عادة إلى تنافس بين مرشحين للحزبين الجمهوري والديمقراطي، والاثنان لا يختلف أحدهما عن الآخر في إيديولوجيته السياسية، وتعبيره بشكل عام عن مبادئ أساسية تحكم فلسفة الفكر السياسي الأمريكي، وهو ما لا ينطبق على ترامب. وفي العادة كانت نتائج الانتخابات في أمريكا سواء على مستوى الرئاسة أو الكونغرس، متوقعة إلى حد كبير، وظل الحزبان لأجيال متتالية، ينضويان تحت إطار مبادئ متقاربة. صحيح أنه كانت تظهر خلافات حول السياسة الخارجية، في فترة حكم المرشح الذي يفوز، بالمقارنة مع من سبقه في الرئاسة، أو من كان ينافسه، لكنها لم تكن تخرج عن إطار المدرستين الأساسيتين للسياسة الخارجية. وهما المدرسة المثالية، والمدرسة الواقعية. فالأولى تتمسك بعقيدة فرض سيادة أمريكا المطلقة على العالم، ولو بالقوة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وتؤمن الثانية بالسيادة النسبية، بمشاركة آخرين في العالم، بوسائل التبادلية في المصالح والإقناع، وتأثير وسائل القوة الناعمة. أما السبب الثاني فيرجع إلى أن أحد مقومات قوة أمريكا في سياستها الخارجية، وجود ما يعرف بالتوافق Consensus بين الأمريكيين. لكن ما جرى في حملة ترامب، وأيضاً في رد فعل النخبة، والشارع الأمريكي، قد أظهر انقسامات واضحة، على الأقل بإظهار وجود تيار يساند ترامب بقوة، وتيار آخر يرفضه بنفس الدرجة من القوة. بالإضافة بالطبع إلى الانقسامات التي دبت في صفوف الحزب الجمهوري ذاته، والتي عبرت عنها قيادات الحزب، وأيضاً معظم المرشحين المنافسين لترامب، ومقالات كبار الكتاب في الصحف، والتي اعتبرت أن ترامب ظاهرة شاذة، أو على الأقل خارجة عن السياق السياسي الأمريكي، المستقر تاريخياً، والمعبر عن طبيعة النظام السياسي للولايات المتحدة. لكل هذه الأسباب أصبح هناك تخوف لدى كثيرين من القيادات من النخبة السياسية الأمريكية، من أن يؤدي ذلك إلى خلل في النظام السياسي السائد لمئات السنين في الولايات المتحدة، والذي يتميز بطبيعة خاصة، وبسمات ينفرد بها، وإذا حدث هذا الخلل فمن الممكن أن تتغير كثير من الأفكار المستقرة، والمسلم بها، عن طرق إدارة العملية السياسية، داخلياً وخارجياً. ويبدو أن النتائج النهائية لانتخابات الرئاسة، وما إذا كانت ستنتهي لصالح ترامب أو هيلاري كلينتون، سوف تحمل معها إجابة محددة عن هذه التساؤلات.