سبق، لي، أن كتبت عن أثر «الميديا» الحديثة على العلاقات المجتمعية، وقد ركّزت، في هذه الزاوية على الجانب السلبي منه، لكي تتم معالجته، والالتفات إليه من قبل المختصين، والباحثين في شؤون المجتمع، ولكن، «الشق أكبر من الرقعة»، كما يقول المثل الشعبي. الأسرة الصغيرة، أيها السادة، اليوم لا تتواصل إلا عن طريق «الأصابع»، لا تستغربوا، حتى وإن جلس كل أفرادها في صالة واحدة، يبقى كلُّ منهم، مشغولاً بجهازه، لا يستطيع رفع «أصابعه» عنه، حتى وهو يأكل، فترى يده اليمنى منهمكة في الأكل، واليد اليسرى غارقة في أروقة لوحة مفاتيح جهازه المحمول. اذهب إلى أي مكان شئت، لترى العجب العجاب من تواصل الناس «بأصابعهم»، بدلاً من التواصل الطبيعي، إمّا بالنظر وإمّا بالكلام، هنا، تذكرت مقولة أحد الحكماء: «تكلم كي أعرفك» وهنا أيضا قلت: لم يعد لهذه المقولة وجود، اليوم، وقد نستبدلها بـ «تصبّع كي أعرفك» «تصبّع» من الإصبع- إن أجازها اللغويون فسجلوها، لي، في المجمع اللغوي، وإن لم يجيزوها فاحسبوها عليّ «عبثاً لغوياً»، اجتهدتُ فيه، وأحسب أن لي أجر مجتهد، وأنّ لعصرنا تقلباته فينا. الأمر خطير، يا سادة، يا كرام، ولا بدّ من تحرك الاختصاصيين الاجتماعيين، تحركاً علمياً مركّزاً، فالناس، في تواصلهم، ينحدرون في منحدر خطير، جداً، بل، هم في طريقهم إلى فقدان جلّ علاقاتهم الإنسانية، بل فقدان جوهرة هذه العلاقات، ألا وهي «العلاقة التواصلية الطبيعية»، إن هم استمروا على ما هم عليه. ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد!