×
محافظة المنطقة الشرقية

«الطيران المدني» تتلقى طلبات للاستثمار الخاص في قطاع الطيران

صورة الخبر

مطلع الألفية الجديدة أخلص الروائي يوسف المحيميد لكتابة الرواية، إذ كانت تجربته الأولى «لغط موتى» مكتوبة عام 1996 لكنها لم تنشر إلا عام 2000 في اتحاد الكتاب العرب في دمشق في طبعتها الأولى، وفي دار الجمل في كولونيا بألمانيا في طبعتها الثانية. روايته المهمة «فخاخ الرائحة» ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية.  ونشرت الجامعة الأميركية بالقاهرة الطبعة المختصَّة بالشرق الأوسط.  أما روايته «القارورة» فقد نُشرت عام 2004 وحققت له شهرة كبيرة داخل السعودية وخارجها، وتناقضت الآراء حولها، وترجمت تلك الرواية إلى الإنكليزية والروسية.  وفي عام 2005 أنجز مجموعته القصصية «أخي يفتِّش عن رامبو» التي دان بها المجتمع وقوى الهيمنة والفساد فيه بشكل فني جديد، ثم صدرت أخيراً روايته الجديدة «نزهة الدلفين» عام 2006.  في حوار مع «الحياة» تحدث المحيميد عن هموم الرواية السعودية والترجمة والمعركة الثقافية المحلية بين المعاصرة والمحافظة. > هــــل فـقـــــدت الموضوعية في تناول رؤية المملكة ٢٠٣٠، وكيف ترى فرص تحقيقــها واستثمارها لدفع مستقبل البلاد إلى الأمام؟ - كثيــراً مـــــــا تنتابني حال تشاؤم تجاه المستقبل، لكن حال التفاؤل لا تلبث أن تعود مجدداً، بتبرير خاص هو أننا نعيش أسوأ حالات البشرية، فهل ستأتي لحظة أكثر سوء مما هي الآن؟ لكن الأيام تمر، وتثبت أن ثمة حال أكثر سوء تتأهب لكي تفترسنا، فتظهر أسنان التشاؤم السوداء، وهكذا دواليك. أما بالنسبة إلى «الرؤية» فهي رؤية شاملة وطموحة، والمهم في النهاية أن تتحقق بعض أهداف هذه الرؤية، وبخاصة في ما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، وعدم الاكتفاء بالنفط وحده مصدر دخل للدولة، فلو ارتفعت صادراتنا غير النفطية إلى المعدلات المستهدفة في «الرؤية»، سنكون قطعنا شوطاً عظيماً في السير نحو بناء اقتصاد قوي ومتين.  > دعيت فيمن دعي للقاء برئيس مجلس الشورى، وأعطيت رأياً مختلفاً في المسألة، ماذا ينتظر من الشورى لزيادة فاعليته في المجتمع والشأن العام؟ - أن يلتصق بإنسان هذه الأرض، يتحسس مشكلاته وهمومه، يحقق آماله وطموحاته، لا يكفي أن يتلقى الشورى المواضيع المحالة إليه من مجلس الوزراء، صحيح أن دوره شورى لولي الأمر، لكن يصعب أن نستبعد مقارنته بالبرلمانات وبمجالس الشعب في الدول الأخرى، حتى لو كانت هذه صيغة المجلس، فالمواطن يفترض أن هذا المجلس يمثل صوته، حتى لو لم ينتخب أعضاءه، لكنه يدرك أن ولي الأمر اختار من يمتلك الأهلية والكفاءة في مجاله، لذلك ينتظر منه أن ينصت لصوت المواطن، ويبحث علاج مشكلات البطالة والتعليم والصحة والإسكان والفقر والفساد وغيرها من القضايا الحيوية، التي تمثل هماً يومياً لإنسان هذا الوطن. > كيف أعمل «التصنيف» في الحال الفكرية والثقافية المحلية؟ - التصنيف هو من عوائق التنمية، الانشغال بتصنيف الناس بحسب فكرهم أو وجهات نظرهم، هو أمر مخجل، وما زلت أتذكر من أوائل الكلمات التي طرحها الراحل الملك عبدالله - يرحمه الله - نبذه تصنيف المواطنين إلى ليبرالي وعلماني وإسلامي متطرف وما شابه ذلك، وكنا نتمنى تبني مجلس الشوري إصدار نظام يجرم التصنيف والطائفية، ويحث على مساواة الناس تحت سقف واحد، هو المواطنة فحسب.  > ألا تضرّ الكتابة الصحافية اليومية بفرصة إنضاج كتاباتك وحماية قلمك الروائي من ضوضاء الاشتغالات اليومية؟ - طبعاً تضر بحساسية اللغة، شعريتها وتراكيبها، وجمال صورها، لكنها مع الاحتراف في الكتابة يستطيع الكاتب الاحتفاظ بأدواته اللغوية والفنية، واستعادتها حين الجلوس لكتابة نص إبداعي، وكثير من التجارب كانت تزاوج بين الصحافة والإبداع، سواء عرباً كجمال الغيطاني وإبراهيم أصلان وربيع جابر وحسن داود وغيرهم، أو أجانب كماركيز، وغيره... لكن الفارق أن الكتاب الأجانب يكتبون في بداياتهم في الصحافة، وبعد نشر كتاب أو كتابين يتوقفون، ويعيشون من دخل مؤلفاتهم، خلافاً للعرب الذين يصعب أن يعيشوا من دخل كتبهم، فيضطر غالبيتهم للكتابة في الصحافة. > لماذا تعاني الرواية السعودية مجملاً من غياب الترجمة للغات أخرى وعالمية، هل هو الانكفاء الاجتماعي أم التواضع الإنتاجي وقصور الكفاءات؟ - هذا غير صحيح مطلقاً، فهناك على الأقل 10 روائيين وروائيات ترجمت أعمالهم إلى بضعة لغات حية، من طريق دور نشر أجنبية محترمة، ولفتت انتباه القرّاء والصحافة الغربية، صحيح أننا نتمنى تحقيق أكثر من ذلك، لكن ما حققته الرواية خلال عقد ونصف العقد، وعلى أيدي روائيي وروائيات الثمانينات والتسعينات، أكثر بمراحل من ثلاثة عقود سبقت تجربة هذا الجيل.  > لماذا تأخر فسح رواياتك في السعودية، وكيف حال السقف والرقيب لدينا اليوم؟ وهل ستعدل عن قرار الطبع خارج البلاد؟ - لا أعرف، للأسف لم يزل الرقيب حاضراً على رغم اختلاف الظروف، وعلى رغم انتشار التقنية، وسهولة الحصول على أي كتاب في العالم بضغط زر، إلا أننا لم نزل نتعامل مع الكتاب بطريقة بدائية، لم يزل على الناشر والمؤلف تقديم مخطوطة كتابه إلى قسم الرقابة العربية بوزارة الثقافة والإعلام، وقراءتها صفحة صفحة، وشطب الكلمات والعبارات والصفحات أحياناً، وعلى الناشر والمؤلف تعديل الكتاب بحسب مزاج الرقيب قبل الطباعة، وعند الطباعة يحتاج إلى تقديم خمس نسخ للحصول على فسح التوزيع، هذه المراحل تجاوزتها كثير من الدول، وهي ما أفقدتنا فرصة استثمارية كبيرة، لصعوبة عمل الناشر السعودي في الداخل، وهو ما أنتج ناشرين سعوديين يمتلكون دور نشر في دول مجاورة، بحثاً عن التسهيلات والمرونة، والعمل بعيداً عن مقص الرقيب الذي ينال من الكتاب قبل طباعته ونشره. بالنسبة إلي، لا أجد سبباً واحداً يجعلني أنشر في الداخل، لأن هذه الظروف الإجرائية والرقابية، حرمتنا من صناعة نشر هائلة، وبخاصة أن لدينا مثقفين وأدباء كثر من جهة، ولدينا كثافة سكانية وقدرة شرائية، من شأنها إضافة عنصر مهم إلى الصناعة، كم أتمنى أن يكون ذلك من اهتمامات الهيئة العامة للثقافة، أعني إنشاء صناعة نشر حقيقية، تليق بإحدى دول الـ20 الأقوى اقتصاداً. > هل انتهى زمن «يوسف أعرض عن هذا»، أم عاد مجدداً بعد سبات و»قواعد اللعبة تغيرت»؟ - لم ينته، ولن ينتهي ما لم تتغير الأفكار، فأسلوب الوصاية على الآخرين، والتفكير نيابة عنهم، هو السائد حتى وإن اتخذ أشكالاً عدة، هناك أوصياء في المجتمع، وفي الأسرة، وفي الوظيفة، وفي كل مكان يتحرك فيه المرء داخل وطنه، كأنما الإنسان لدينا غير مكتمل الأهلية، أو قاصر، يحتاج إلى ولي أو وصــي، ولعل الأسوأ هو أن يتشح هؤلاء الأوصياء، إما بعباءة الدين، أو الوطنية، فيشككون بدينك أو بوطنيتك! > أما زلت تعتقد أن التعليم مختطف؟ - ليس ذلك فحسب، بل حتى الوزير نفسه قد يُختطف أحياناً، فهؤلاء المتنفذين في التعليم يتوهمون بأنهم يجابهون عدواً غامضاً لا يراه سواهم، يسمونه التغريب، وهو كل جديد ومختلف لم يعهدوه من قبل، فهم يقاومون الزمن الذي لا يرحم، الزمن المتسارع والمتجدد، زمن العولمة والقرية الواحدة، زمن لا تستطيع أن تحيط نفسك بسور عازل، وقد اقتحم الإنترنت حياتنا، وانتهك خصوصياتنا، زمن يخبرنا بصوت عالٍ بأننا بتنا جزءاً من هذا العالم، وعلينا ألا نقاوم الحداثة والتقدم، بل لنستفد منها جيداً بشروطنا ورؤيتنا وأصالتنا، فلم نكن كما نحن الآن من التطور والمدنية، لو بقينا نرفض تعليم المرأة، ونتلف التلفزيون، ونعتبر مستخدم الأطباق الفضائية عديم مروءة وبلا أخلاق، وخذ كثيراً من الأمثلة منذ ثلاثينات القرن الماضي، التي نرفضها بحذر وخوف وقلق، حتى تصبح أمراً واقعاً ومألوفاً، ونكتشف سذاجتنا وبساطتنا، حينما نعرف أن أجدادنا رفضوا اللاسلكي والبرقية وغيرها، لأنها تفوق قدرتهم على التفكير والتخيل، فاعتبروها من عمل الجان، ومن بدع الزمان التي يرفضها الدين، بينما الواقع من يرفضها عقولهم المحدودة. > ما هي المعوقات الثقافية والاجتماعية التي تصد المجتمع عن إمكان تقدمه وهضمه للمعاني الحداثية المؤثرة في إنتاجه وفاعليته؟ - على هذا المجتمع أن يدرك أنه ليس بمعزل عن العالم، يحدث حريق في غابات بكندا، فترتفع أسعار النفط، بما ينعكس على اقتصادنا، تظهر موضة في فرنسا فيتلقفها أطفال في قرية نجدية، من يتخيل أن ثقافة كوريا الجنوبية على سبيل المثال تقتحم منازلنا، بأغانيها ومسلسلاتها، فضلاً عن أوروبا والغرب، بمعنى أن علينا أن نستلهم ما يحدث في العالم، وننتج ثقافتنا الخاصة، لا ثقافتنا المعزولة، ولا ثقافتنا الخاضعة، بمعنى أن نهضم كل ما في العالم من منتج ثقافي حداثي، ثم نقدم للعالم منتجنا الحداثي، فكل حضارات العالم هي حضارة واحدة، متناسلة ومتحولة، أي أن على كل من يرفض التغيير ويقاوم التحديث أن يستفيد من تجارب أجدادنا وآبائنا القديمة، ويدرك أن ما يراه غريباً وخارجاً عن السائد، سيُصبِح شيئاً مألوفاً في القريب.  > كانت مهمة المثقفين سابقاً هي مواجهة بنى التشدد في الداخل، هل انتهت المعركة الآن، وأصبح للمثقفين دور جديد في المسألة الوطنية؟ - لنتفق أولاً أن الوطن للجميع، وألا نزايد في المسألة الوطنية، جميعنا ننتمي لهذا الوطن الكبير ونحبه، حتى المتشددين والرافضين للتحديث، يجدون في رفضهم هذا قلقاً على الوطن من الضياع، هكذا يرون في أعماقهم، ويشعرون أن غيرهم هو عدو، يريد هلاك البلاد والعباد، كذلك المثقف يرى في هؤلاء حجر عثرة في تقدم الوطن وتطوره، نتفق جميعاً في حب الوطن، ونختلف في صياغة مستقبله. ربما يظهر الفارق الآن هو تعدد المنابر وتنوعها، ففي السابق كان للمثقفين منابرهم الخاصة، وللمتدينين منابرهم أيضاً، أما الآن فالجميع في مركب واحد، في مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح المواطن يسمع صوتين في وقت واحد، وأصبح لديه عقل يفكر به، لم يعد سهلاً الضحك عليه كالسابق، أصبح يفرز بين مدنية وتحضر يسير به أماماً، وبين مقاومة التمدن، والبقاء في حالة تخلف عن العالم.